لم يخطر في بالي يوما أنني سأكتب عن رحلتي إلى حلب صيف 2009، في أيام خاصة كهذه الأيام. حينها توجهت بصحبة زوجي الدليل السياحي، بهدف جمع معلومات وصور، لطباعة كتاب باللغة الألمانية عن المتحف الوطني بحلب.
مع خيوط الفجر الأولى، من جبلة عبر سهل الغاب إلى واجهة المتحف بتماثيله الكبيرة التي تبهر السائح، والتي كانت تزين القصر الآرامي قرب حلب بالألف الأول قبل الميلاد، دلفنا إلى داخل المتحف، وبدأنا بالتصوير، كل قاعة لوحدها، وكان لابد من استراحة توجهنا إلى شارع بارون الشهير على امتداد المتحف، الذي يتوسطه فندق بارون، جلسنا في الغرفة المخصصة للشراب، هربا من حر تموز، وبدأ كل من الموظف وزوجي يخبرانني عن زوار الفندق الذي استقبل العديد من المشاهير والأحداث، وخطط فيه القادة العسكريون في الحرب العالمية الأولى والثانية وعقدت فية المؤتمرات، وفكر في زواياه المفكرون والقادة، وغنى في قاعاته كبار المغنين والمغنيات واحتفل ورقص فيه ملوك وملكات وأمراء ونبلاء أوروبا.
ألقى الملك فيصل خطاب الاستقلال في حلب بعد الثورة العربية الكبرى من شرفة الغرفة رقم /215/، أقام فيها الرئيس جمال عبد الناصر عند زيارته حلب بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة. كما أقام الرئيس حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع، في الغرفة رقم/202/ وأقام لورانس العرب، في الغرفة/213/. أقامت الكاتبة البوليسية الشهيرة آغاثا كريستي مع زوجها عالم ومنقب الآثار المستشرق «متر ماكس فالوين»، حيث أنجزت في هذه الغرفة بعضاً من فصول روايتها الشهيرة (جريمة في قطار الشرق السريع) في فندق بارون فقد مكثت آغاثا كريستي في الفندق فترة من الزمن حيث كان زوجها عالم الآثار ينقب عن الآثار في شمال وشرق سورية.
ومكث في الفندق أول رائد فضاء في العالم «يوري غاغارين» ورائدة الفضاء الروسية «فالنتينا تيلشكوفا».
لقد نزل في الفندق أيضاً زعيم الجمهورية الفرنسية الحرة الجنرال شارل ديغول يرافقه «الجنرال كاترو» وألقى «ديغول» خطبة من على شرفة الفندق، من النزلاء أيضاً ولي عهد ملك السويد، ومن النزلاء العرب سعد الله الجابري والمشير الركن «عبد السلام عارف» و»مختار ولـــد دادا» رئـيـــس جمهورية موريتانيا وإبراهيم هنانو وفارس الخوري ونوري السعيد و»عباس حلمي باشا» والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات. وشخصيات عديدة أخرى.
في اليوم التالي كان لابد من زيارة السوق الطويل الذي يمتد على 12 كيلو متراً، ابتداء من القلعة، قبل الوصول إلى مدخله أخذت أنظارنا تتنقل بين القلعة وبينه، نشعر بقدمه، قبل أن يخبرونا أن تاريخ الأسواق تعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد أي إلى عهد «ياريم ليم» ملك «حلب» فقد أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع المستقيم الذي يمتد بين «باب أنطاكية» ومعبد القلعة حيث كان الحجاج يأتون إلى «حلب» بغية زيارة الإله الحلبي الكبير «حدد»، و»باب الجنان» بحلب هو أول سوق هال في التاريخ.
لقد كانت الأقمشة والملابس والأحذية والأنواع المختلفة من القبعات والحلي منذ القرن السادس عشر هي السلع الرئيسية المباعة في الأسواق وكانت البهارات والسجاد تحتل مكانة هامة، أما صابون «حلب» الغار فهو مشهور جداً في كل أسواق العالم وليس في أسواقنا المحلية فقط.
اليوم نستعيد ذكرياتنا عن حلب، مع عودتها وعودة طرقاتها آمنة، بعد أن قُطعت أوصالها وتوقفت نشاطاتها وصناعاتها، ودمرت ما دمرت من أسواقها، المجموعات الإرهابية المدعومة من عدونا الأردوغاني.
اليوم لحلب مكانة إضافية ولطرقاتها منزلة خاصة، فقد تعمدت بدماء جنودنا البواسل، زيارة حلب اليوم مختلفة لابد أن نحمل الورود ونزرعها فوق كل بقعة روتها دماء أبطال جيشنا.