وذكَرَ في تعليق موجَز أرفقَهُ بهذهِ القائمة: «سيجدُ القارىء العاقل أكبَرَ قسطٍ من المُتْعة في قراءة هذهِ الروايات لو تعلَّم قفزَ الصفحات»، وكان من نتائجِ هذهِ الملاحظة أن اقترحَ أحد الناشرين الأميركيين على سومرست موم نشر هذهِ الروايات العشر بعد حذف الأجزاء التي يَحْسُنُ تركُها دونَ قراءة من النص الأصلي لكل رواية، وفَعَلَ موم ذلك ونُشَرَتْ تلك الروايات بعد أن اختصرها بنفسه، ولاقت رواجاً، وقد سَوّغ موم فعله هذا بتأكيدهِ أن معظم الناشرين لديهم محررون متخصصّون يتلخّص عملهم بهذهِ العمليّةِ بالذات؛ وبحثَ في الأسباب التي دفعت أولئك الروائيين للإطالةِ والإسهابَ!
لم أذكر الحادثة السابقة لأقول إنني مع ما فعله سومرست موم أو ضِدّه، لكن ما دفعني إلى ذلك هو أن عدداً غير قليلٍ من الروائيين العرب، وبينهم سوريّون يطرحونَ بين أيادينا هذهِ الأيام أعمالاً روائيّةً ضخمة؟ ليس لضخامتها ولكثرةِ صفحاتها من مسوّغٍ فنيٍّ جماليٍ أومعنوي، بقدرِ ما يَعْكِسُ كثيرٌ منها شهوةَ كلامٍ طاغية سيطرت على الروائي، ووفرةً مُهلكةً من الوصفِ تذُكّرُ بتلكَ التي سادت في الرواية تحت تأثير الرومانسيّة حين كان يلذُ للروائي أن يُسهبَ في وصف ما يحيطُ ببطلِهِ إذا ما تحرّك من مكانٍ إلى مكان لغايةِ الوصف ذاتِهِ، أو أن يسُهبَ في حواراتٍ ممجوجةٍ تُسطّحُ شخصياتِهِ عوضاً عن أن تغنيها... ويقعُ في عثراتٍ لا نستطيعُ أن نوجِزها في هذهِ الزواية الصغيرة. إن كانَ ثَمّةَ ما سوِّغَ للروائيين القدامى أن يكتبوا رواياتٍ طويلةٍ جداً في الماضي سواء فيما يتعلّق بذائقةِ القراء ووقتهم الحر، أم طلب المطابع تقديمَ عددٍ كبيرٍ من الملازم، أو الصفحات للمجلّات الشهرية التي تنشر الرواية على حلقاتٍ؛ فإن الأمر اليوم يختلفُ تماماً وقد زالت تلكَ «الموضة» الروائية منذ أمدٍ بعيد؛ بعد أن أوقعت حتى كبار الروائيين في أخطاء فنيّة ليست قليلة، ويكفي أن نضربَ مثالاً على ذلك رواية سيرفانتس الخالدة «دون كيشوت»، التي قال عنها كوليردج ذات يوم «إنها كتاب يُقرأ قراءةً كاملة مَرّة واحدة، أما في المرّة الثانية فيمرُّ القارىء على بعض صفحاتِهِ فحسب» وهو يعني بذلك أن كثيراً من صفحاتِهِ مُملٌّ، وغير موفّقٍ، ويؤكد سومرست موم هذا الكلام حين يقول عن الكتاب نفسه: «إنّهُ كتاب عظيم ومهم ويجب على طالب الأدب المتخصّص دون شك قراءَته قراءةً كاملة، لكني لا أظن أن القارىء العادي، الذي يقرأ للمتعة، يفقدُ شيئاً إذا هو لم يقرأ الأجزاء الهزيلة من هذا الكتاب، ومن المؤكد أنه سيستمتع أكثر بأجزاء الرواية التي يدور السردُ فيها مباشرةً حولَ المغامرات والحوار بما فيها من متعة وقوّة تأثير والتي تدورُ حولَ الفارس الرقيق وتابعه الواقعي».
وقد عُدّ الحشو في هذه الرواية المهمّة نقطةً سوداءَ، ومن أجل هذا هاجَمَ النقد المعاصر سيرفافتس! وقد لا تَنجو أعمال رائعة أخرى من مثل هذا العيب.
لقد تَسنى لي - رُبمّا بسبب طبيعة عملي- أن أقرأ عدداً غير قليل من الأعمال الروائية السوريّة بعضها مخطوطات، وبعضها لأصدقاء أحبهم وكانت آفةُ كثيرٍ من تلكَ الأعمال هي ما سميتُهُ «الوفرَة المُهلكة»!
إنّه الإطناب والاسترسالِ والاستطراد، في شأنٍ أو موضوعٍ أحبَّهُ هذا الروائي أو ذاك لكنّه مهما كان ممتعاً له نفسه، فهو ليس بالضرورة قادراً على خدمةِ موضوع الرواية، بل على العكس إنّه مَقْتَلُها!!.