كانت الاجواء بداية توحي باحتمال وقوع مجابهة عسكرية عربية صهيونية خاصة بعد إعلان مصر سحب القوات الدولية عن الحدود مع العدو واغلاق مضائق تيران .
لكن الاسباب الحقيقية للعدوان هي بالتأكيد غير تلك المباشرة والمعلنة . في تلك الايام وقبل نحو عامين ونصف العام من حزيران ذاك انطلقت شرارة الثورة الفلسطينية الفدائية . وهزت اركان الكيان الصهيوني مجتمعيا وسياسيا وامنيا . وشهد الكيان العنصري عمليات هجرة معاكسة . كانت الثورة قد انطلقت من حاضنتها السورية .وكما ان الجبهتين السورية والمصرية كانتا على استعداد للوحدة في مواجهة الاحتلال .
الحقيقة ان الاجواء كلها كانت توحي باحتمال القتال . لكن ما كان يخفيه التحالف الصهيوني الغربي كبيرا جدا . فالمطلوب كان رأس الحركة القومية المتصاعدة منذ عام 1954 بقيادة عبد الناصر والبعث - والسعي لخلق هوة او فجوة او فاصلة بين الجبهتين السورية والمصرية . وكان المطلوب احكام مخطط سايكس بيكو وزواجه بمخطط وعد بلفور .
أي ان المطلوب كان قتل الروح القومية العربية ووأد امل الانتصار وتحرير فلسطين المحتلة منذ عام 1948 . اجهاض الحركة النضالية الفلسطينية والعربية كان اهم ما يتطلع اليه الصهاينة والحليفان التاريخيان للحركة الصهيونية فرنسا وبريطانيا – واحلال القوة الامريكية الناهضة بعد الحرب العالمية الثانية محل الاستعمار القديم الفرنسي الامريكي .
حدثت النكسة واحتل الصهاينة الهضبة السورية وكامل ارض فلسطين وكامل سيناء ووصلوا الى حدود السويس . وكان رد فعل الرئيس المصري اعلانه التنحي وتحمله مسؤولية الانتكاسة . بيد ان الجماهير العربية عموما والمصرية خصوصا خرجت تقول لا للتنحي وارغمت الرئيس الراحل عبد الناصر على البقاء في السلطة – مؤكدة عزمها على القتال ورفضها الهزيمة او القبول بمنطقها . خرجت الجماهير تهتف ( حنحارب .. كل الناس حتحارب). وجاءت قمة الخرطوم بعد الانتكاسة لتقول لاءات مثلت اهداف الجماهير وشعاراتها في تلك المرحلة : لا للصلح ولا للتفاوض ولا للاستسلام .
وانطلقت العمليات الفدائية الفلسطينية الى ذروة لم يتوقعها العدو الصهيوني وصولا الى معركة ( الكرامة ) التي كانت نقطة تحول واصبح اغتيالها هدفا امريكيا صهيونيا .
لم يتوقف العمل المضاد للهزيمة على الاقوال بل كانت حرب الاستنزاف العربية في الجبهتين السورية والمصرية رسالة مفادها ان العرب لن يستكينوا ولن يبقوا اسرى الخامس من حزيران . الى ان انطلقت حرب تشرين التحريرية في العام 1973 . ورغم العبور المصري والسوري الى العمليات داخل فلسطين المحتلة الا ان السادات كان يبيت لأمر آخر تجلى فعلا في موافقته على وقف العمليات العسكرية وقبوله القرار338 – وكانت مرحلة احتواء صهيونية لأثر الهزيمة العسكرية الصهيونية الاولى في المجابهة مع الجيوش العربية النظامية .
السادات مع الراعي الامريكي والغربيون الاستعماريون جعلوا هدفهم انهاء الروح القتالية العربية واخراج مصر من ساحة الصراع مع العدو الصهيوني . هكذا جاءت كامب ديفيد ثمرة المؤامرة على الجهد العربي للتحرير ومحاولة اجهاض الثورة الفلسطينية .
بيد ان السنوات اللاحقة اثبتت قدرات الامة في التصدي والمواجهة والمقاومة. بل ان التمسك العربي الشعبي بالمقاومة ازداد قوة الى ان تحققت انتصارات المقاومة في لبنان عامي 2000 و2006 كما انها انتجت ارغام العدو على مغادرة قطاع غزة ومن ثم توكيد قدرة المقاومة على الصمود في لبنان وفلسطين .
ارادت القوى المعادية تكريس الهزيمة بتكريس سايكس بيكو ووعد بلفور لكن الامة ترفض الخضوع . وهاهي تثبت انها اكبر واقوى من هزيمة ان نكسة حزيران وانها على استعداد للقتال حتى النصر والتحرير .
Nawaf.m.abulhaija@gmail.com