تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مابين الكذب والخيال.. خيط رفيع

مجتمع
الأحد 2-6-2013
مارلين سجيع فرحة

من منا يجرؤ على قول الحقيقة كلها , كأن نعترف بما نقترفه من كذب كل يوم ونسمي ذلك مجاملة أو مزحة أو طُرفة عابرة. يحدث أن لا ننتبه لما نقوم به عكس قناعاتنا وآرائنا, لذلك نلجأ أو نمارس الكذب كحيلة لابد منها لنساير أحدهم ....

بين رب العمل والموظف...وبين الموظف وزوجته...وبين الزوجة والجيران...والجيران يكذبون ويتكاذبون على بعضهم البعض ..وبين السائق والراكب ..وبين التاجر والزبون ..وبين الطالب والاستاذ وغيرها الكثير. هل للكذب أسماء أو ألقاب يمكن أن يختبئ خلفها أو أقنعة يتنكر بها؟؟.حتى الأطفال لم يبقوا بعيدين عن الكذب , بل يمكن أن نقول أن شرارة الكذب تبدأ من الطفولة.‏

ويقول الأديب مكسيم جوركي: كيف لا أصدق ما يقوله الطفل ؟ حتى لو شعرت أنه يكذب, سوف أصدق وأحاول الفهم, فالكذب أحياناً يفسر الانسان أفضل تفسير.‏

فما بين الكذب والخيال عند الأطفال خيط رفيع لكنه فارق بين المرض والصحة . والكذب عند الاطفال قد يعتبر مظهراً لانحراف سلوكي , وقد يعتبر حالة مرضية تحتاج إلى علاج نفسي كامل, وقد يكون كذباً طبيعياً في سن معينة “ الكذب الأبيض” وهو يعتبر مرضاً في سن أخرى. وعلى سبيل المثال: أطفال المدارس يحبون اللعب الخيالي بعيداً عن الواقع , وهم يجدون إثارة ومتعة في الخيال , ويعتقدون في مخترعاتهم الخيالية حتى يظن الكبار أن كذبهم قد حدث بالفعل, وهذا النوع من الكذب يعتبر بريئاً , ولا يهدف إلى ضرر أو مصلحة , ويكمن في عواطف الطفل الجامحة , ولسهولة الإيحاء به فهو ينزلق في الفانتازيا بسهولة , ولكن إذا ثبت هذا النزوع عند الطفل وأصبح عادة كالتدخين مثلاً فيجب النظر إليه باعتباره انحرافاً سلوكياً في حاجة للعلاج‏

الطفل وبداية كذبه: يبدأ الطفل في الكذب في سن مبكرة , غالباً عندما يبلغ سن الثالثة تقريباً, أي عندما يعتقد أن بإمكانه إعطاء معلومات خاطئة, ربما للتخلص من مشكلة أو لإخفاء أمر معين. وعندما يصبح بين سن الرابعة والسادسة , يزداد كذبه حيث يصبح أكثر مهارة في الكذب من خلال لغة الجسد أو القدرة على التمثيل الجيد, لكنه غالباً ما يشعر بتورطه بمجرد طرح الأم مجموعة من الأسئلة عليه للحصول على مزيد من الإيضاح. وعندما يصبح الطفل في سن الدخول إلى المدرسة يكذب أكثر وبصورة أكثر اقناعاً وحنكة , لأن معرفته باللغة تتحسن ويزداد عدد الكلمات التي يعرفها, كما يصبح أكثر قدرة على فهم كيف يفكر الآخرون, وعندما يصبح في عمر الثامنة يستطيع أن ينجح في عدم قول الحقيقة من دون أن تتمكن الأم من اكتشاف كذبه في أغلب الأحيان.‏

ويدل الكذب في بعض الاحيان على وجود مشكلة, فقد يلجأ الطفل إلى الكذب أحياناً بسبب معاناته من مشكلة حادة, وقد يضطر إليه في بداية تطوره الاجتماعي وخاصة إذا لم يكن بوسعه عقد الصداقات أو إقامة العلاقات الاجتماعية وفي بعض الاحيان قد يؤدي به إلى القيام بتصرفات سيئة كالسرقة والخداع والعدوانية والتغيب عن المدرسة وفقدان الاشياء الخاصة بشكل دائم, وهنا على الام أن تجد الحل الانسب والاسلوب الأمثل للتعامل مع الطفل وتفهم المشكلة التي يعانيها.‏

خوفه يدفعه إلى الكذب: الخوف عامل شائع يدفع الطفل إلى الكذب, فقد يكذب على أمه خوفاً من أن تثور غضباً في وجهه, ويكذب على الاب خوفا من تجريده من الامتيازات الممنوحة له, وعلى المعلمة خوفا من العقاب. وفد يكون هذا الكذب منطقياً أو غير منطقي , ولكن تبقى الحقيقة أنه يبحث عن ملجأ يحميه من العقاب, والطفل في هذه الحالة يدرك غالباً أنه على خطأ , لذلك على الأم أن لاتتعامل مع الكذب وإنما مع السبب الذي جعله يكذب, وأن تدرك أن الطفل قد لجأ إلى الكذب خوفاً من ردود فعل أهله وثورات غضبهم. وهنا تكون المناقشة والحوار بين الطفل والاهل والاصغاء اليه قبل توجيه أي تهمة له مفيدة وتجعله أكثر صدقاً في تعامله معهم.‏

محاكاته لمثال القدوة لديه: الكذب تصرف مقبول بالنسبة للطفل , فهم معرضون للكذب في كل الأوقات, والمشكلة أن الطفل يتعلم الكذب من الأشخاص الموجودين حوله وخصوصاً الأهل, إذ يستحيل حماية الطفل من كذب الآخرين والأهل, ويعتقد الأهل على خطأ بأن “ الكذب الأبيض” أو عدم الوفاء بالوعد أو الكذب المبرر لا يضر, ولكن الطفل لا يعرف ولا يدرك الفارق في الكذب. وبما أنه من الصعب السيطرة على كذب الطفل فمن الأفضل أن يتوقفوا هم عن الكذب. ولا تستطيع الام أن تبعد الطفل عن جميع الأصدقاء كي لا يتعلم الكذب منهم فهي بهذه الحالة تحد من علاقاته الاجتماعية , لذلك وجب عليها تشجيعه على قول الحقيقة من دون تهديد حتى لا يضطر إلى الكذب.‏

العقاب كخيار أخير: ويبقى السؤال: هل يفترض معاقبة الطفل الذي يكذب؟ بما أن الخوف هو المحرك الاساسي وليس الوحيد للكذب , يختار الأطفال أن يكذبوا لأنهم يرون فيه أهون الشرور, ويعتقدون أن بمكانهم الافلات من العقاب. والكذب في بعض النواحي هو تصرف لتجنب العقاب, لذلك قد يؤدي العقاب إلى تفاقم المشكلة , وذلك بتعميق الشعور بالخوف لدى الطفل , ما يؤدي إلى زيادة احتمال كذبه في المستقبل بدلاً من التقليل منه, إضافة إلى ذلك , قد يؤدي العقاب إلى سوء فهم الطفل له, ففي حين تعاقب الأم طفلها لأنه أخطأ, قد يعتقد أنها تعاقبه لأنها اكتشفت كذبه, فالعقاب عند الطفل عير مرتبط بالكذب وانما باكتشاف فعلته. من هنا يمكن أن يجد الطفل في المرة الثانية طريقة أخرى للالتفاف حول الحقيقة وطمسها فتواجه الأم مأزق الشك وعدم الثقة بابنها.‏

لذلك لا يمكن أن يكون علاج الكذب بالضرب أو السخرية لأن ذلك غير مفيد. وقد نلاحظ حالات كثيرة قام الأبوان فيها بعتاب الطفل بشدة , مما أدى إلى رد فعل عكسي. فالعمل مع الطفل الميال للكذب يحتاج إلى الكثير من الصبر والتحمل, ويلعب الوسط الاجتماعي من الأهل إلى المدرسة والزملاء الدور الحاسم في العلاج, فهؤلاء يجب عليهم فهم الدوافع التي سببت الكذب, لأن الفهم يساعد على تحجيم المشكلة والتقليل منها. كما يجب تجنب الظروف التي تشجع على الكذب وعدم ترك الطفل دون مواجهة ونقاش وحوار لأن الكذب هو أسهل الذنوب اقترافاً وأولها حضوراً إلى ذهن الطفل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية