اليوم الجميع يراجع حساباته، وينظف ذاكرته المتآكلة بفعل الصدأ، والعمى السياسي، ليعود مجبرا إلى قراءة الرؤية السورية بضرورة محاربة الإرهاب كأولوية قصوى، و للتعلم من نتائج التنسيق السوري الروسي، وما يحققه الجيش السوري من إنجازات في الميدان، وجاءت دعوة (الناتو) لضرورة التحالف مع روسيا للقضاء على الإرهاب، وإعلان البنتاغون استعداده للتعاون مع سلاح الجو الروسي بمثابة الإقرار الواضح بفشل التحالف الأميركي في كبح جماح داعش.
في زمن النفاق الأميركي لا نعرف إذا كانت تلك الدعوات جادة، أم مجرد ادعاءات طارئة للاستهلاك الإعلامي، فتبني مجلس الأمن لمشروع القرار الفرنسي بضرورة اتخاذ كل الإجراءات لمحاربة (داعش) دون الإشارة إلى ضرورة التنسيق مع الدول المعنية، يشوبه الكثير من الغموض، ويترك الأبواب مفتوحة للتفسير والتأويل، كما أن عدم تسمية الدول التي تساعد الإرهابيين على المرور عبر أراضيها إلى سورية والعراق، ليس كافيا لوضع حد لتدفق الإرهابيين، وإنما يترك التعامل مع هذه المسألة وفق مصالح آنية.
اعتداءات باريس الأخيرة ربما تكون قد أيقظت صحوة الغرب، ولكنه ما زال يطمع في استثمار الإرهاب، فالأميركي زاد من منسوب ادعاءاته بضرورة ضرب (داعش) في الصميم، ولكن إدارته لم تتوصل للقناعة الكافية بعد إلى الكف عن دعم الإرهاب في سورية، طالما أنه يساهم في استنزاف قدراتها، وباريس التي غيرت مبادئها الدستورية وأعلنت حالة الطوارئ، ما زالت تركب رأسها، وتماطل في إعادة النظر بسياساتها الخاطئة تجاه سورية، وبريطانيا التي لم يخفت صوتها على المنابر الدولية دفاعا عن التنظيمات الإرهابية في سورية، تدعو برلمانها اليوم للقبول بتوسيع نطاق الضربات ضد (داعش)، والاتحاد الأوروبي يأبى حتى الآن التوقف عن السير وراء الركب الأميركي.
النفاق الأميركي أصاب الدول الأوروبية بالعدوى، فأصبح مسؤولوها يقولون الشيء ويفعلون نقيضه تماما، وتكاد تتفوق على أميركا في امتهان الكذب، حيث الوقائع على الأرض تشير إلى أن النهج الإرهابي الذي تنتهجه معظم الدول الأوروبية بالمعية الأميركية، سيستمر تحت حجج واهية، وبتسميات وأشكال مختلفة.