وإنما يقدم أبناءه جنودا مقاتلين ..وشهداء أبرار، لحماية الوطن .. لاتستغربوا القول: بيارات برتقال كثيرة نهضت على شرفاتها مقابر لشهداء من أبناء فلاحي البرتقال.. على امتداد الساحل السوري,,تتفيأ قبور الشهداء بأشجار البرتقال.. هذا المشهد بقدر مايثير الحزن، يثير الإعجاب والإكبار بهؤلاء الفلاحين المتعبين، المتروكين لأوجاعهم.. في هذا العام يبدو المشهد أكثر مأساوية.. لأن إنتاج البرتقال ((محصولهم الرئيس نتاج تعبهم، وعرقهم، وأحلامهم)).. يخرج من دائرة الاقتصاد ليس على مستوى المواطن. المنتج وحسب.. وإنما على مستوى الوطن..ومن دائرة الأحلام، .. وهذا ماقد يدفع بالفلاحين لاقتلاع أشجار البرتقال.. وعندها ..يتصحر الساحل السوري من الشجرة الوحيدة التي تلائم مناخه.. قبل عقود كانت الدولة، تستورد البرتقال.. وعندما أجهد فلاحو الساحل أنفسهم وزرعوا البرتقال، ووصل الوطن إلى مرحلة الاكتفاء، ومن ثم إلى مرحلة الفائض، ليكون هذا الإنتاج رديفا قويا للاقتصاد الوطني من خلال التصدير.. برزت المشكلة الكبيرة التي لم تجد حلا .. مشكلة تكرر أوجاعها في كل عام، ليس لأن ثمرة البرتقال لاتسوق كما يحصل في كل البلدان المنتجة للبرتقال..وإنما لأنها لم تجد من يفكر بحل .. لماذا لاتعالج أزمة البرتقال التي باتت مزمنة ..؟!
في كل عام يرتفع إيقاع الوجع، وإيقاعات الشكوى ..وتتردد الأصوات .. في مجلس الشعب، وفي كل الأماكن ذات الصلة.. ويظل السؤال هائما على وجهه في سراديب الجهات المسؤولة ضائعا ، ومنفيا.. منذ ثلاثين عاما.. ولم تجد مشكلة البرتقال العلاج ، لا في زمن الحكومة الحالية،ولا الحكومات التي تعاقبت قبلها.. لاقبل الحرب على سورية.. ولا خلال الحرب.. قالوا إن السوق الروسية ستأخذ البرتقال السوري.. وقالوا السوق العراقية.. في هذا العام... كبر الوجع.. لاأحد يقوم بتسويق البرتقال حتى في السوق السورية.. نشرات الأسعار تقول إن البرتقال فوق» المئة « ليرة في أسواق دمشق، وحلب..وفي الحقول.. يتساقط البرتقال على الأرض..لأن أسواق الهال المحلية أغلقت في وجه البرتقال .. يقولون : تجار البرتقال توقفوا عن الشحن.. وإذا ماتوفر بعض البرتقال في أسواق الهال يباع بأقل من ثمن العبوة، والقطاف والنقل.. يصرخ مزارعو الساحل: تعالوا خذوا البرتقال لأبناء جيشنا الذي لايصله البرتقال.. تعالوا خذوه حسنة لوجه الله للنازحين السوريين.. جريمة أن تتحول ثمار البرتقال إلى جثث ملقاة في الحقول.. وعلى الطرقات.. في المشهد كثير من المأساوية الموجعة.. في المشهد صرخة لرجال الاقتصاد لإيجاد حل.. ونداء إلى الأحزاب السياسية التي تنظّر، وتنتج النظريات في الاقتصاد والسياسة..
يبدو أن البرتقال خارج اهتماماتها.. وأصحاب البرتقال خارج اهتماماتها.. حتى شهداء أبناء أصحاب البرتقال يوجعهم المشهد في قبورهم .. في كل عام ، ومن ثلاثين عاما.. يطرح الإعلام .. ومجلس الشعب، وجهات أخرى قضية البرتقال أمام الحكومة.. وتتشكل لجان في مجلس الشعب.. وفي الحكومة، وتكتب توصيات ومقترحات.. وترتفع تصريحات متفائلة.. ولكن يكون موسم البرتقال قد انتهى.. وينتهي معه كل شيء.. وتعود القضية إلى نقطة الصفر.. وإنتاج البرتقال يتزايد في كل عام .. وتكبر المشكلة أكثر فأكثر.. قلنا مرات بدلا من العصائر الصناعية الضارة بأطفالنا ومواطنينا.. وجهوا أصحاب المعامل لإنتاج العصائر الطبيعية.. وجهوا التجار لتسويق البرتقال إلى خارج سورية.. أقيموا شركات تسويق للدولة، أو مشتركة مع القطاع الخاص..وسوقوا البرتقال.. ولكن لاحياة لمن تنادي..