تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إبداع إليوت والشعر العربي

ملحق ثقافي
2018/9/25
هنادة الحصري

 كنت أرغب في تغيير العالم وصنع عالم جميل، ولكني أعتقد أن العالم هو الذي غير منظومتي الفكرية والأخلاقية. فقد تغيرت أحكامي ونظرتي للآخرين بل تغير منطقي كليا نتيجة التعاطي اليومي مع الحياة بكل أوجهها.

كانت أسئلة الوجود تجد تفسيراً لها عندي. أستخدم من جذورنا الحضارية الضاربة بعمق في التاريخ تارة ومن الأيديولوجيات تارة أخرى ومن دراستي للغة الإنكليزية وآدابها تارة أخرى؛ حيث أطلعت على مواهب جديدة قابلت بها واقع الحياة في الغرب لأرى ركاماً من الأخطاء الفلسفية والفنية والروحية مثالها غوغان وبرنارد، ولكني لا أعلم أنني كنت معجبة الى حد الانبهار بالآداب الإنكليزية وشعرائها فقد كانت المدخل الرئيسي لإدراكي لمشاهدي نهاية التاريخ حيث كانت رحلتي تدور بين وليام ووردزوورث ووالت ويتمان وت. س إليوت إلى أن قرأت مقالة سـآتي على ذكرها.‏

كنت أقرر قراءة قصيدة “الأرض” لـ ت.س إليوت وخصوصاً في المقطع الأخير عندما يقول بالسنسكريتية شانتي – شانتي أي سلاماً سلاماً، وكأنه يود لصفائنا الروحي أن ينبعث ليثير هذه القلوب المنظمة ليكمل قصيدته بحكاية الذين طرحوا أسئلة كبيرة، ولكنه أجابهم بكلمة “ناء أي توازتوا” ارحموا، وهذه أقوال لو عمل بها الخلق لتوصلوا بها الى نسق حياة ومنهج ورؤيا في معنى الحياة ومصير الإنسان في الكون.‏

لم أكن مبالغة في الشهرة التي حظيت بها قصيدته “الأرض” التي كتبها في القرن العشرين. لقد كتبت أثناء الحرب العالمية الأولى واستوحى إليوت صورها دلالاتها من الأجواء القاتمة وويلات الحرب التي زعزعت ثقة إنسان الحضارة الغربية في جدوى العلم والتقدم.‏

ولو اطلعنا على الشعر العربي بعمالقته أمثال السياب ويوسف الخال...إلخ في الاربعينيات لوجدنا إقحام التعابير في مواضيع تتحدث عن الإنسان ومصيره وأزمة العصر والشباب والعلم ومأساة الحضارة الصناعية أي التأثر والامتنان بالشاعر الإنكليزي الأميركي ت. س إليوت، وذلك للنهوض بالشعر الحديث وبث روح جديدة بعد أن لمسوا أن الرومانتيكية قد وصلت، ولم تعد تقوى على حمل تجارب العصر.‏

ولكن الشيء الجميل والمثير للاستغراب أن تقرأ في مقالة للدكتور عبد الله الخطيب أن إليوت هو الذي أخذ واختلس من الشعر القديم ومنجزات القصيدة الكلاسيكية في صياغة قصيدته دون أن يشير الى ذلك بل تعمد إطفاءه.‏

إليوت إذاً مدين للشعر العربي القديم في صياغة قصيدته على شكل القصيدة العربية بوجه عام وعلى أول معلقة بوجه خاص، الى جانب أنه أخذ عنوان قصيدته ومطالعها وعنوان الجزء الأول منها من الأبيات الأوائل من معلقة امرئ القيس وشعر أبي تمام، واستقى إشارات من القراّن الكريم، واستعار البديع من البلاغة العربية.‏

ويرى اّخرون أن التجربة  الشعرية لإليوت نابعة من رصيده المعرفي لأن إليوت اطلع على ترجمات الشعر العربي القديم. وقد ذكر إليوت انه قرأ ترجمة لرباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام وتأثر بها. وهناك رأي يرى أن إليوت تأثر بأسلوب القراّن.‏

السؤال الذي يطرح نفسه الآن أليس لدينا رؤى شعرية تحاول إيجاد صلة بيننا وبين المشترك الإنساني العام؟‏

أخيرا وكما يقول غاندي: “لماذا نغير العالم إذا كنا نستطيع أن نغير أنفسنا”.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية