تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جورج أورويل الخيال والسيرة الذاتية

ملحق ثقافي
2018/9/25
جيري آبوت/ ترجمة: نور طلال نصرة

كتب جورج أورويل قصة صادمة عام 1936 لرجل شرطة استعماري قتل فيلاً وأصبح يبغض نفسه. لكن هل كانت هذه القصة من نسج الخيال أم اعترافاً؟ هل حقاً أطلق جورج أورويل النار على الفيل؟ وماذا رمى بهذا الاعتراف؟

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

تعاظم الشأن التجاري للاستعمار البريطاني بشكل كبير بعدما أصبحت بورما جزءاً من إمبراطوريته عام 1886 ليصبح الاستثمار السريع لغاباتها ضمن أولوياته، حيث لجأت شركات تصنيع الأخشاب لاستخدام الفيلة، بعد أن بات واضحاً أنه لا جدوى من وسائل النقل المتحركة في بقعة جبلية كهذه. كانت هذه المخلوقات الطيّعة والذكية تُثمّن بالذهب.‏

وصل في عشرينات القرن الماضي إلى بورما مجنّد شاب، كان طالباً سابقاً في كلية إيتون الداخلية، يدعى إريك بلير، وقد تم تعيينه في عدّة أماكن كمجنّد في شرطة بورما، كان آخرها في مولمين. وهنا اتهم بقتل فيل تابع لإحدى شركات الأخشاب. وقد قال رئيس قسم الشرطة إنه عار على مدرسة إيتون. استقال بلير من الشرطة أثناء إجازته في إنكلترا، ونشر عدّة كتب تحت اسمه المستعار جورج أورويل.‏

في عام 1936 كتب ما سماه “المشهد” واصفاً فيه كيف ولماذا قتل فيلاً هارباً أثناء إقامته في مولمين. كان جورج يحظى باهتمام كبير في تلك الأوقات، وكان الكثير من الأشخاص مترددين في قبول أنه بالفعل قتل فيلاً. غير أنه بعد ستة أعوام، نشر رئيس شرطة بورما ويدعى هيربرت روبنسن مذكرات ذكر فيها أن الشاب إيريك بلير “والذي أسماه الشاعر” قد اعترف مسبقاً في عشرينيات القرن الماضي أنه أراد أن يقتل فيلاً. رغم ذلك، انتاب الشك كتّاب سيرة أورويل. ولم يكن برنارد كريك ولا ديجي تايلور يعتقدان أنه قتل فيلاً بالفعل. وأشار كريك إلى أنه فقط كان متأثراً بموضة الكتابة الحديثة حيث ضاع الخط الفاصل بين الخيال والسيرة الذاتية.‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في مولمين، كنت مكروهاً من قبل عدد كبير من الناس، كنت ضابط شرطة في البلدة، وكانت لاذعة جداً طريقة الاستياء غير العادية من المشاعر الأوروبية. لم يكن لدى أحد الشجاعة لإثارة الشغب، لكن في حال ذهبت امرأة أوروبية بمفردها إلى البازارات، فقد يبصق أحد ما عصير التنبول على فستانها. وكضابط شرطة كنت هدفاً واضحاً كلما سنحت الفرصة لذلك. فعندما تعثرني بورمي حاذق في ملعب كرة القدم وكان الحكم وهو بورمي آخر، غير مكترث للأمر، صدح الحشد بضحك بشِع. لقد حدث لي هذا الأمر مرات عديدة. وفي النهاية فإن وجوه الشبّان الصفراء الحاقدة والإهانات التي كانوا يطلقونها عندما تكون هناك مسافة أمان بيننا كانت تزعجني بشدة. كما أن الكهنة الشباب البوذيون كانوا الأسوأ على الإطلاق. كان يوجد الآلاف منهم في المدينة، ولم يكن لديهم ما يقومون به سوى الوقوف على ناصية الطريق والاستهزاء بالأوروبيين. كل هذا كان مربكاً ومزعجاً. وفي ذلك الوقت كنت كونت قناعة لتوّي أن الإمبريالية هي شر، وكلما أسرعت في الاستقالة من عملي، كلما كان ذلك أفضل. وبشكل سري طبعاً كنت أقف مع البورميين وبشكل مطلق ضد مضطهديهم، البريطانيين. وبالنسبة إلى العمل الذي كنت أقوم به، فقد كرهته بمرارة وربما أكثر مما كان يبدو ظاهراً عليّ. ففي عملي كنت أشاهد أقذر أعمال الإمبريالية من أقرب نقطة. السجناء البؤساء مكومون في الأقفاص النتنة في أماكن الاحتجاز، الوجوه الكئيبة والمروّعة للمحمومين لمدة طويلة، الأرداف المجروحة للرجال المجلودين بالخيزران، كل هذه الأعمال أثقلت كاهلي بشعور لا يطاق من الذنب. لقد كنت شاباً صغيراً وقليل المعرفة، وكان يتوجب عليّ أن أفكّر بحل مشاكلي بصمت مطلق كان مفروضاً على كل شخص إنكليزي يعيش في الشرق. لم أكن أعرف أن الإمبراطورية البريطانية تنهار، ولم أكن لأعرف أيضاً أنها أفضل بكثير من الإمبراطوريات الأصغر التي ستحل محلها. كل ما كنت أعرفه هو أنني كنت تائهاً بين كرهي للإمبراطورية التي أخدمها وبين غيظي من الحيوانات الصغيرة ذات الأرواح الشريرة التي حاولت أن تجعل مهمتي مستحيلة. لقد سيطر عليّ اعتقادان؛ الأول أن الراج البريطاني حكم لا يُكسر، كشيء مثبت بإحكام وللأبد، قائم على إرادة الشعوب الضعيفة. والاعتقاد الثاني أن السعادة الأعظم في العالم سوف تكون بغرز حربة في أحشاء الكاهن البوذي. إن مشاعر كهذه هي نتائج طبيعية للإمبريالية.‏

وفي أحد الأيام حدث شيء ما، اتصل بي باكراً المفتش الفرعي لقسم الشرطة قائلاً إن فيلاً دمّر البازار، وقال: أرجوك، هل يمكنك أن تأتي وتفعل شيئاً حيال الأمر؟ لم أدرِ ماذا يمكنني أن أفعل؟ لكنني أردت رؤية ما حدث، حملت بندقيتي وهي بندقية قديمة من طراز 44 وينشستر، وهي صغيرة جداً على قتل فيل. أوقفني بورموين كثر على الطريق وأخبروني بما فعله الفيل. لم يكن بالطبع فيلاً متوحشاً بل فيلاً مدجناً وكان مقيداً بالسلاسل كما تكون الفيلة المدجنة دائماً، لكنه كسر الأغلال في الليلة السابقة وهرب. وحده الفيّال القادر على التحكم بالفيل عندما يكون في هذه الحالة، لقد انطلق في مطاردة لكنه سلك الاتجاه الخاطئ، فاستغرق منه ذلك رحلة لمدة 12 ساعة. وفي الصباح ظهر الفيل مجدداً وبشكل مفاجئ في البلدة. لم يكن لدى البورميين أسلحة وكانوا عاجزين تماماً أمام الفيل. وكان قد دمر لتوّه كوخ خيزران لأحدهم وقتل بقرة وهاجم بعض أكشاك الفواكه والتهمها. كما اعترض طريق شاحنة القمامة الخاصة بالبلدية، وعندما قفز السائق من العربة وهرب مسرعاً، قلب الفيل الشاحنة وعاث فساداً فيها. وكان المفتش الفرعي لقسم الشرطة البورمية وبعض الشرطة الهنود ينتظرونني في الركن الذي شوهد الفيل فيه.‏

بدأنا باستجواب الناس عن وجهة الفيل، وكالعادة لم نحصل على معلومات واضحة. بعضهم قال إنه ذهب في اتجاه، وبعضهم قال إنه ذهب في اتجاه آخر، في حين أكد آخرون أنهم لم يسمعوا حتى بقصة الفيل. وكنت اقتنعت تقريباً أن القصة كلها مجرد إشاعات عندما سمعنا صراخاً على مسافة ليست بعيدة، كان بكاء عالياً “اذهب بعيداً أيها الطفل”. وجاءت امرأة عجوز تحمل سوطاً في يدها وبعنف أزاحت حشداً من الأطفال العراة وتبعتها مجموعة من النسوة، يولولن ويصرخن، ومن الواضح أنه كان ثمة شيء يجب ألاّ يراه الأطفال. اتجهت صوب الكوخ ورأيت جثة رجل ملقى في الطين، لقد كان هندياً درفيدياً أسود، وعلى الأغلب أنه كان عارياً، ولم يكن مضى على موته سوى عدة دقائق. وقال الناس إن الفيل جاء فجأة، ثبت الرجل ووضع قدمه على ظهره ودهسه على الأرض. كان منظره مروّعاً، وعلى الفور أرسلت شرطياً إلى منزل صديق قريب من مكان الحادثة ليستعير منه بندقية، وفي غضون دقائق عاد الشرطي يحمل البندقية، وفي الوقت نفسه وصل عدد من البورميين وأخبرونا أن الفيل في حقول الأرز المنخفضة، والتي لا تبعد كثيراً عنا.‏

وحالما بدأت أتقدم في سيري، احتشد جمع الناس الذين خرجوا من المنازل وتبعوني جميعهم. لقد شاهدوا البندقية في يدي وكانوا يصيحون مهتاجين أنني مقدم على إطلاق النار على الفيل. لم يظهروا اهتماماً أكثر تجاه الفيل عندما كان يعيث خراباً ببيوتهم، لكن الأمر مختلف الآن لأنه سيكون عرضة لإطلاق النار. لقد كان الأمر بالنسبة إليهم ممتعاً وكذلك سيكون بالنسبة إلى الحشد الإنكليزي المتجمهر الذي كان يريد الحصول على لحم الفيل. ولكنني لم أكن أنوي حقاً قتل الفيل، بل جلّ ما كنت أبغي هو حماية نفسي عند الضرورة. هبطت أسفل التلة، أنظر حولي وأشعر بأني مغفل والبندقية فوق كتفي والحشد يتدافع خلف خطواتي. وعندما وصلت إلى أسفل التلة كان الفيل يقف على بعد 80 ياردة من الطريق، كان يمزّق حزم الأعشاب ويضربها على ركبته لينظفها ثم يحشو بها فمه.‏

توقفت لأستريح على الطريق، وحالما رأيت الفيل تيقنت تماماً أنه يجب عدم إطلاق النار عليه. إنه لأمر خطير أن يتم إطلاق النار على فيل عامل، إن الأمر مشابه لتدمير قطعة ضخمة ونفيسة من آلة. وعلى بعد تلك المسافة، كان الفيل يأكل بسلام، ويبدو وكأن خطره لن يكون أكثر من خطر بقرة. قررت بأن أراقبه للحظات لأتأكد أنه لن يعود لوحشيته ومن ثم سأعود أدراجي.‏

لكن في اللحظة التي التفت فيها حولي ملقياً نظرة على الحشد الذي تبعني، رأيتُ جمعاً غفيراً بلغ 2000 شخص على الأقل ويتزايد كل ثانية، وقد تسببّ بإغلاق جانبي الطريق لمسافة بعيدة. كانوا يشاهدونني وكأنهم يشاهدون ساحراً سيقوم بحيلة. وفجأة، أدركت أنه يتوجب عليّ إطلاق النار على الفيل، لقد توقع الناس مني هذا الأمر وعليّ القيام به، أستطيع الشعور برغبة ألفين شخص يضغطون عليّ للتقدّم، إنه شيء لا يمكن مقاومته. في تلك اللحظة حالما وقفت هناك والبندقية في يديّ، أدركت لأول مرة خواء وعبثية سلطة الرجل الأبيض في الشرق. كنت هنا الرجل الأبيض مع سلاحه، أقف أمام حشد من الأهالي العزّل، أبدو كالقائد الرئيسي للحدث، لكن في الواقع كنت مجرد دمية سخيفة مدفوعة ذهاباً وإياباً بإرادة أولئك الأشخاص أصحاب الوجوه الصفراء خلفي. أدركت في هذه اللحظة أنه عندما يتحول الرجل الأبيض إلى طاغية، فإنه يدمر حريته، يستحيل إلى شيء خاو كالدمية، ولذلك عليه في كل أزمة أن يفعل ما يتوقعه منه الأهالي.‏

كان عليّ إطلاق النار على الفيل، ألزمت نفسي بفعل ذلك عندما أرسلت في طلب البندقية، يجب على السيّد أن يتصرف كسيّد، عليه أن يكون حازماً، وأن يفعل أشياء بعينها. عندما اجتمعت كل هذه الأمور معاً، البندقية في يدي، وألفي شخص يزحفون خلفي، وبعد كل هذا أتقهقر مبتعداً دون أن أفعل شيئاً، لا، مستحيل. سوف يسخرون مني، كما أن حياتي بأكملها، حياة كل رجل أبيض في الشرق كانت نضالاً طويلاً لا يمكن الاستهزاء بها.‏

لكنني لم أكن أرغب بإطلاق النار على الفيل، شاهدته وهو يضرب حزمة من الحشائش على ركبته، ومع هذا الجو الوادع الذي كان الفيل غارقاً فيه، بدا لي أن إطلاق النار على الفيل جريمة. وبطريقة أو بأخرى فإن قتل حيوان كبير هو أمر سيئ دائماً كما يؤخذ بعين الاعتبار مالكو الحيوانات، لقد كان سعر الفيل الحيّ 100 جنيه أسترليني على الأقل، في حين أن الفيل الميت يساوي فقط ثمن أنيابه أي 5 جنيهات. لكن عليّ التصرف بسرعة. التفتُ إلى بعض البورميين من ذوي الخبرة الذين كانوا في المكان عندما وصلنا، وسألتهم كيف كان الفيل يتصرّف؟ لقد قالوا جميعاً الشيء ذاته: بأنه لن يكترث لوجودك إذا تركته وشأنه، لكنه قد يهجم في حال اقتربت منه كثيراً.‏

لقد كان واضحاً بالنسبة إلي ما عليّ فعله تماماً، وهو أن أمشي ضمن 25 ياردة التي تفصلني عن الفيل واختبار سلوكه، إذا هجم عليّ فيمكنني إطلاق النار عليه، أما في حال لم يأبه لوجودي فسيكون الوضع آمناً وعندها سأتركه لحين قدوم الفيّال. لكن بالرغم من معرفتي هذه، إلاّ أنني كنت مقدماً على شيء آخر. كانت بندقيتي قديمة والأرض يغطيها الطين ناعم يغوص فيه المرء في كل خطوة. محظور على الرجل الأبيض الخوف أمام السكان الأصليين. كما استحوذت على تفكيري فكرة أنه إذا حدث خطأ ما فإن 2000 بورمي سوف يرونني مطارداً ومسحوقاً تحت قبضة الفيل، وفي حال حدث ذلك، فسيكون مدعاة لسخرية بعضهم والذي لا يمكن أن يحدث. هناك خيار واحد فقط، وهو أن أضغط على خرطوش البندقية وأستلقي على الطريق لتحديد الهدف بشكل أفضل. ازداد الحشد بشكل كبير وكأنه جمهور يشاهد رفع ستارة المسرحية، كما ارتفعت تنهدات عميقة ومنخفضة وسعيدة من حناجر لا حصر لها. كانوا يرغبون ببعض المتعة، كانت البندقية شيئاً ألمانياً جميلاً، لكنني لم أكن أعرف أنه عند إطلاق النار على الفيل يجب أن يتم التصويب لتخترق الطلقة فتحة الأذن من جهة وتصل لفتحة الأذن الأخرى، لذلك كان عليّ، والفيل واقف بشكل جانبي، أن أوجه هدفي بشكل مباشر في ثقب الأذن. في الواقع وجهت هدفي على بعد بضعة إنشات من الأمام، اعتقاداً مني أن دماغ الفيل سيكون أبعد لجهة الأمام. عندما ضغطت على الزناد لم أسمع الضجة ولم أشعر بالتدافع، لكنني سمعت القهقهة الشيطانية للغبطة التي كان مصدرها الحشد. في تلك اللحظة وفي وقت قصير جداً، ثمة شيء غامض ومروّع حصل للفيل. لم يهتج ولم يتوجع، لكن كل خط في جسده تبدّل. لقد بدا فجأة أنه مصاب، تقلص كثيراً لحجم فيل عجوز، كما لو أن التأثير المرعب للرصاصة قد شلّه دون أن يطيح به. وبعد هذا الوقت الطويل الذي هو في الحقيقة خمس ثوان فقط، أتجاسر لأقول: لقد ترنح بتراخٍ على ركبتيه، فمه ملئ باللعاب. شيخوخة شنيعة بدت وكأنها استولت عليه. حتى ليظن المرء أن عمره آلاف السنين. أطقت النار ثانية في النقطة ذاتها، لم ينهر في الطلقة الثانية، لكنه قفز ببطء يائس على قدميه ووقف مستقيماً بشكل ضعيف مع تداعي قدميه وتدلي رأسه. أطلقت النار للمرة الثالثة، لقد كانت تلك، الطلقة التي أردته، حيث باستطاعتك أن ترى سكرة الموت تهز جسده بالكامل، وتضرب ما تبقى من قوة قدميه، لكن في سقوطه بدا للحظة أن يرتفع، فمع انهيار قدميه الخلفيتين تحته وبدا كأنه يحلّق عالياً كصخرة ضخمة، بجذع يصل إلى السماء كشجرة. صرخ صرخة مدوية للمرة الأولى والوحيدة. ثم هبط أرضاً، بطنه نحوي، بانهيار مفاجئ، وكأن الأرض اهتزت تحتي.‏

استوعبت ما حدث، اجتازني البورميون وهم يتسابقون في الوحل، وكان من الواضح أن الفيل لن ينهض ثانية لكنه لم يمت بعد. كان يتنفّس بشكل متواتر للغاية مع لهاث صاخب وطويل، كان هيكله الضخم يرتفع ويسقط بشكل مؤلم، وفمه مفتوح على مصراعيه، حيث أمكنني أن أرى عميقاً في جوف حلقه الوردي الباهت. انتظرت طويلاً كي يموت، لكنه تنفسه لم يضعف. وأخيراً، أطلقت الطلقتين الأخيرتين المتبقيتين معي في المكان الذي اعتقدت أن القلب يقبع فيه. كان الدم الكثيف ينساب منه أحمر مخملياً. لكنه ما يزال حياً، ولم يهتز جسده حتى عندما بلغته الطلقات، واستمر التنفس الأليم دون توقف.‏

كان يحتضر ببطء شديد وبعذاب مضن، شعرت أنه عليّ أن أضع حداً لهذا الإزعاج البغيض، كان مروّعاً رؤية حيوان ضخم يسقط هناك، تخر قواه، عاجزاً عن الحركة، أرسلت في طلب بندقيتي الصغيرة وأطلقت النار على قلبه وحنجرته، ويبدو أنه لم يكن لها أي تأثير، حيث استمرت صيحات التعذيب بتواتر ثابت كتكتة الساعة.‏

في النهاية لم أتمكن من الوقوف أكثر من ذلك، فرحلت وعلمت أنه استغرق نصف ساعة حتى مات. وقد أخبروني أن البورميين سلخوا جسده بالكامل حتى العظم. نشبت بعد ذلك بالطبع نقاشات غير منتهية حول الأمر، كما كان صاحب الفيل محتدماً لكنه كان مجرد هندي ولا يمكنه فعل أي شيء. قانونياً، فعلت الصواب بالنسبة إلى فيل أرعن كما هو الأمر بالنسبة إلى كلب مسعور عندما يفشل صاحبه في السيطرة عليه. وبالنسبة إلى الأوروبيين فقد كانوا منقسمين، الكبار في السن قالوا إني فعلت الصواب، أما الشبّان فقد اعتبروا ذلك إدانة مخجلة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية