لم تستطع تركيا ولا مرتزقتها الاحتفاظ بهذه المواقع المحصنة التي انسحبوا منها إلى المناطق المحيطة بإدلب. .
ولأول مرة أصيب الجيش التركي بمدفعية الجيش السوري حيث قُتل خمسة ضباط أتراك في مطار تفتناز العسكري، وهي قاعدة تستخدمها تركيا وإرهابيوها ما أُجبر أنقرة على نشر جيشها في ساحة المعركة للتعويض عن ضعف حلفائها من المرتزقة على الأرض.
كان تحرير الطريق السريع» M5» الذي يبلغ طوله 432 كيلومترا التزاما محددا واضحا في اتفاقية آستنة الموقعة في تشرين الأول 2018، والتي فشلت تركيا حتى الآن في الوفاء بها.
لقد اتخذت الحكومة السورية ثلاث خطوات كبيرة باتجاه تحرير طريق» M5»منذ ذلك الحين، لكن هذه المرة كان قرار استردادها نهائيا.
هذه رسالة من سورية وروسيا إلى أردوغان لإبلاغه بأن الوقت بدأ ينفد في إدلب، كما أن المواجهة بين تركيا وروسيا عبر الحدود السورية بدأت تقترب، كما يتضح في أوكرانيا وليبيا، حيث تسعى تركيا للعب دور رئيسي.
يقدّم الروس معدات عسكرية متطورة وعشرات من بطاريات الصواريخ T-90s للجيش السوري، ما يساعده على مواصلة عملياته العسكرية في الليل، هذه المساعدة إلى جانب مئات الغارات الجوية التي قام بها سلاح الجو الروسي، حررت مع الجيش السوري المنطقة بأكملها شرق الطريق، والعديد من المناطق الأخرى على الجانب الغربي، حيث العمليات العسكرية لا تزال مستمرة. إضافة إلى ذلك، قدمت روسيا دعما غير مسبوق باستهداف الخطوط الأمامية للإرهابيين المدعومين من أنقرة .
المفاجأة الكبيرة هي اكتشاف أنفاق تمتد لأميال حيث كانت هناك مستشفيات ميدانية، وذخيرة ومعدات للبقاء على قيد الحياة في حال وجود حصار طويل للغاية في جميع المناطق المحررة على طول الطريق» M5» وفي المدن الكبرى مثل سراقب والعيس، وتم ربط هذه الأنفاق ببعضها بعضا وربطها بما يشبه القرى تحت الأرض.
كان عمق بعض الأنفاق 20 مترا، وهو ما يكفي لحمايتها من القصف الجوي، ورغم كل ذلك سارع المرتزقة إلى التخلي عن جميع مواقعهم تاركين وراءهم كل شيء.
كانت تكتيكات الجيش السوري في السنوات الأخيرة هناك تقوم على ترك الطريق مفتوحا للسماح لهؤلاء المرتزقة بالتراجع قبل إغلاقه، لكن منذ تحرير حلب، تجنب الجيش السوري تطويق المدن بسبب البروباغاندا الإعلامية الأجنبية المزيفة والتدخل الأجنبي ما يعكس الرغبة الغربية ببقاء سورية مفككة تعاني لسنوات أخرى ويلات الحرب.
هذا هو السبب وراء ترك الطرق مفتوحة دائما للإرهابيين للانسحاب قبل أي هجوم نهائي، في الواقع إن تركيا غير قادرة على حماية مرتزقتها ولا يمكنها تقديم الدعم الجوي لهم إذ تسيطر روسيا على المجال الجوي في المنطقة، كما أن دمشق كانت قد حذّرت تركيا من أنها ستسقط أي طائرة تركية تنتهك مجالها الجوي.
تمثل التطورات الأخيرة في معرة النعمان وسراقب وتل العيس والراشدين تحولا استراتيجيا جديدا في الحرب على سورية. وهذا يدل على أن تركيا ستواجه صعوبة جمّة في حماية إرهابييها على المدى الطويل.
إن استقرار سورية يتطلب تحرير كل أراضيها، وهو في مصلحة حلفائها الروس وأمنهم القومي والسياسي أيضا، لذلك ذهبت روسيا مع دمشق لإنهاء الحرب والقضاء على الإرهاب.
وفي الجانب المقابل تركّز تركيا أنظارها على روسيا برفض الاعتراف بالسيادة الروسية في شبه جزيرة القرم، ومن خلال تقديم 33 مليار دولار لأوكرانيا لدعم جيشها، ربما تسعى تركيا إلى لعب دور أكثر فاعلية ويحقق لها مصالحها في ليبيا، حيث تطلب حكومة السراج رسميا دعم أنقرة، لكن الوضع في سورية مختلف. تدرك تركيا أن وجودها في سورية لا يمكن أن يدوم طويلا وأن الانسحاب من إدلب حتى لو لم يكن على جدول الأعمال، لن يكون طويلا في المستقبل، إنها مسألة وقت فقط.
لقد وضعت قوات الاحتلال الأميركية نفسها في وضع محرج جدا باحتلالها منطقة محدودة شمال شرق سورية، حيث يمكنها سرقة النفط السوري، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يبدو أن هذا الوجود الأميركي المحدود هناك هو من أولويات الجيش السوري لكن سيتم تحرير إدلب أولاً، ثم عفرين. هذا هو السبب في أن تركيا تحاول تعزيز وتدعيم نفوذها في سورية.
وتلعب روسيا وإيران دورا مهما في تخفيف التوترات بين تركيا وسورية، لكن خلاصة القول هي أن تركيا ستنسحب من سورية ولو بالقوة.
لقد اشترت تركيا «S-400S «من روسيا وتم إطلاق خط أنابيب» Turkstream» رسميا في الشهر الماضي لتقليل شحنات النفط الروسية إلى أوكرانيا، تركيا أيضا حليف للناتو، وتوجد فيها قاعدة عسكرية أميركية كبيرة على حدودها، من الواضح أن تركيا سوف تجد صعوبة في الحفاظ على التوازن بين القوتين العظميين مع حماية إرهابييها في سورية، وسيأتي الوقت قريبا لتركيا لتجد نفسها مجبرة على الانسحاب من سورية والتخلي عن مرتزقتها هناك.