وتكمن المفاجأة في كون أميركا التي اخترعت الإرهاب القاعدي الوهابي واستعملته في أكثر من ميدان ومولته بأموال عربية خليجية رسمية وغير رسمية أميركا هذه تستعد لمواقف تعاكس تلك الحقيقة ما يطرح السؤال حول إمكانية التصديق.
وقبل المناقشة لنعد إلى ما أعلنته الخارجية الأميركية في بيان لها ودعت فيه دول المنطقة للتوقف عن تمويل إرهابيي القاعدة ومنع تسللهم إلى سورية والعراق، إعلان واكبه تهديد صدر عن الداخلية البريطانية يتضمن سحب الجنسية من كل بريطاني يقاتل في سورية مع الإرهابيين.
وقد استبقت هذه الإعانات بمواقف أخرى تصب ظاهراً في الاتجاه ذاته منها ما يتعلق بالتمويل والدعم الذي يقدم من دول الخليج إلى الإرهابيين، والكل يعلم أن سفك الدم السوري بيد المنظمات الإرهابية يتم تمويل خليجي عبر خزينة الدولة مباشرة أو عبر هيئات تتغطى بعناوين خيرية وحقوق إنسان وما إليه.
وقد اتخذت أميركا مؤخراً تدابير من شأنها التأثير على عملية التمويل هذه وبعد أن دعت دول المنطقة للتوقف عن دعم الإرهابيين منتصف الأسبوع الماضي أدرجت الحكومة الأميركية رئيس ما يسمى منظمة الكرامة لحقوق الإنسان القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي وعبد الوهاب الحميقاني يمني الجنسية على القائمة السوداء لممولي الإرهاب مبينة أنهما ممولين لتنظيم القاعدة وأنهم أغدقوا ملايين الدولارات على جماعات إرهابية في سورية والعراق وجوارهما، أما بريطانيا فقد نزعت بالفعل - كما أعلن- الجنسية عن عشرين بريطانياً هذا العام بعد أن كانت اتخذت الإجراء نفسه ضد سبعة عشر شخصاً آخرين فقط منذ أيار العام ألفين وعشرة (لكن لم يتبين حقيقة السبب لذلك ومنهم من فسر الأمر بربطه بالإرهاب).
مع هذين الإعلانين والمواقف السابقة أو المواكبة لها يكاد المرء يتصور بأن هناك تصحيح للموقف الغربي واتجاه لدى الغرب لوقف العدوان على سورية عبر محاصرة الأدوات الإرهابية التي تنفذه وتجفيف مصادرها وقطع طرق انتقالها، فهل هذا صحيح ثم ما هي مبرراته وهل سيكون له على الأرض أثر وتطبيق جدي؟
قبل أن نجيب على هذا التساؤل علينا أن نتذكر بأن أميركا التي يتراءى بأنها تريد التضييق الآن على من وصفتها التنظيمات التابعة للقاعدة لأنها العدو المشترك الذي يشكل التهديد الجدي لمنطقة الشرق الأوسط هي أميركا نفسها التي اخترعت الإرهاب وحضت على تمويله ثم إنها هي نفسها التي كانت تمنع مجلس الأمن من إدانة ما يرتكبه تنظيم القاعدة وفروعه ومشتقاته من جرائم وحشية في سورية منذ 3 سنوات، وهي التي كانت تحض على تمويل تلك الجرائم من خزائن محمياتها النفطية الوهابية، فكيف نصدق إذاً؟
ومن جهة أخرى نرى أن السياسة الغربية لو كانت مبنية حقيقة على احترام القانون الدولي وعلى احترام حقوق الغير لكان تصديق هذا التصحيح ممكناً، لكن من يعرف مناورات الغرب وسياساته لا يمكنه أن يصدق بسهولة أن الغرب وعلى رأسه أميركا ينقبلون على طبيعتهم ويتخلون ببساطة عن الأدوات الإرهابية التي اخترعوها، لذلك يبقى البحث عن الدوافع التي حملت كل من بريطانيا وأميركا على هذا الموقف أمراً مهماً من أجل الحذر من الأفخاخ التي اعتادت أميركا والغرب نصبها لكل من لا ينصاع لقرارهم، وسورية كما يعلم الجميع أثبتت بالقول وبالممارسة أنها لا تتنازل عن سيادتها وقرارها المستقل لأحد أي كان هذا الأحد.
وفي هذا المجال نرى أن ما حمل أميركا وبريطانيا على هذه المواقف ليس حرصهما على سورية وأمنها ولا رغبة منهما بالعمل مع سورية ضد الإرهاب، بل إن الصمود السوري الذي تسبب بتشظي الجماعات الإرهابية، ثم دخول هذه الجماعات في قتال وتناحر فيما بينها، بحيث باتت بعد ذلك تشكل مخاطر جدية على الأمن الغربي نتيجة تسرب فلول الجماعات إرهابية التي تعمل في سورية حالياً إليها بعد الهزيمة وتوجهها إلى الدول الغربية لمتابعة الإرهاب الذي مارسوه في سورية وامتهنوه احترافاً وحشياً على أراضيها.. هذه المخاوف والرعب من الإرهاب المرتد على الغرب هي التي أثارت القلق الغربي مترافقاً مع اليأس من تحقيق أهداف المشروع العدواني ضد سورية، وهنا ندرك كيف أن الإعلان الأميركي تضمن شقين الأول يتعلق بوقف تسهيل انتقال الإرهابيين إلى سورية والثاني وهو الأهم برأينا ويتعلق بوقف تمويل القاعدة وأخواتها للحد من نشاطاتها الإرهابية وهنا يكمن سر الإعلان والقصد منه أصلاً للحد من نشاط محتمل بعد مغادرتها سورية.
ولذلك نقرأ في بيان السفارة الأميركية في بغداد والذي تم تعميمه مؤخراً.. دعوة إلى قادة دول المنطقة لاتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد العناصر الإرهابية فيما يسمى دولة الإسلام في العراق والشام وجبهة النصرة وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية حيث يقوم الكثير منهم لاحقاً بتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق.
وخلاصة القول إن يأس الغرب من الانتصار في سورية، والخوف من الإرهاب المرتد الذي يحتمل انتقاله إليهم وحاجة الغرب لمساعدة سورية ما لتجنب خطر الإرهاب هو ما دفعهم إلى هذه المواقف التي لم تكن يوماً يقظة ضمير أو تحرك حس إنساني فهذه الأمور لا يعرفها الغرب ولا تعرفها أميركا التي لا تعبد ولا تقدس ولا ترى إلا مصالحها.