تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مؤتمر جنيف الثاني .. بين ازدواجيّة المواقف وتناقضها

شؤون سياسية
الاثنين 27-5-2013
 د. عيسى الشماس

في إطار الجهود الدولية المبذولة لحلّ الأزمة في سورية ، عقد في موسكو اجتماع ، في الثامن من أيار الحالي، بين/ سيرغي لافروف / وزير خارجية روسيا و / جون كيري / وزير الخارجيّة الأمريكيّة ، نتج عنه الاتفاق على عقد مؤتمر ( جنيف 2 ) ، بشأن حلّ الأزمة بالطرق السلميّة ، استناداً إلى الإعلان الذي صدر عن اجتماع جنيف الذي عقد في تموز 2012 ، بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة .

ومنذ ذلك الاجتماع ، بدأ حراك دبلوماسي دولي متواصل حول كيفيّة عقد هذا المؤتمر ، وما الأطراف التي ستشارك فيه من ممثلي الدولة السورية والمعارضة ، وما الدول المعنيّة التي يجب أن تحضر هذا المؤتمر إضافة إلى روسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة . وتوالت الاجتماعات واللقاءات الثنائيّة بين زعماء أوروبيين وأمريكيين وغيرهم ، ممّن لهم علاقة بالأزمة السورية ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة . وقد ظهرت إثر هذه اللقاءات مواقف مزدوجة أحياناً، ومتناقضة أحياناً أخرى ، بحيث لم يستطع المراقبون والمحلّلون أن يصلوا إلى تحديد دقيق لموقف هذه الدولة أو تلك من هذا المؤتمر، طبعاً باستثناء الموقف الروسي الذي لم يتغيّر منذ بدء الأزمة السورية، وفي إعلان جنيف ( تموز 2012 ) ،الداعي إلى وقف العنف والحلّ السياسي من خلال الحوار والاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة.‏

فما إن خرج / كيري / من اجتماع موسكو ، حتى راح يعلن بتصريحات متناقضة حول موقف بلاده من الاتفاق المذكور، وبعد يومين من اجتماع / لافروف -كيري / في موسكو ، عقد اجتماع في موسكو أيضاً ، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين / ورئيس وزراء بريطانيا / ديفيد كاميرون / ودار الحديث حول مؤتمر جنيف 2 ، وضرورة التوصل إلى حلّ سريع للأزمة التي تعاني منها سورية . ففي حين أكّدّ الرئيس / بوتين / موقف روسيا الداعم لإنهاء العنف والجلوس إلى طاولة الحوار الوطني ، لم يستطع / كاميرون / إخفاء دعمه للمعارضة المسلّحة ، من خلال موقفه المزدوج والمتناقض ، فمن جهة يوافق على ضرورة وقف العنف ، ومن جهة أخرى يدعو إلى تزويد المعارضة بالسلاح . وكرّر نفاقه هذا في اجتماعه مع الرئيس الأمريكي في واشنطن (13/5/2013 ) مجدّداً الدعوة إلى تقوية المعارضة المعتدلة(كما أسماها ) للردّ على القوات السورية الوطنيّة‏

وفي اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأمريكي مع / أردوغان / رئيس وزراء تركيا ، في 16/5 /2013 في واشنطن ، اتفق الطرفان على أمرين أساسيين ، الاستقرار في المنطقة وعدم انتشار ظاهرة الإرهاب. ومن جهته صرّح رئيس الحكومة التركيّة ، بأنّه يؤيّد حلاّ سياسيّاً للأزمة السورية ، لتجنيب بلاده نتائج هذه الأزمة ، ولكنّه في الآن نفسه ، وجّه بلهجته السفيهة تهديداً إلى الدولة السورية .أمّا/ أوباما / فهو الآخر كرّر موقفه المتناقض ، إذ طالب بوجوب وقف العنف والبدء بالحوار من أجل إيجاد الحلّ السياسي ، ولكنّه أبقى كلّ الخيارات العسكرية والسياسيّة مفتوحة . أمّا الرئيس الفرنسي / هولاند / فلم يخفِ تعاطفه مع المعارضة المسلّحة ودعمها، ودعوتها إلى التكامل والتوازن ، ولكنّه أعرب عن خشيته من وصول السلاح إلى الأطراف الإرهابيّة المتشدّدة التي قد تنتقل إلى بلاده .‏

وفي السابع عشر من الشهر الجاري ، عقد أيضاً اجتماع بين وزير الخارجيّة الروسيّة والأمين العام للأمم المتّحدة ، وتمّ التأكيد على ضرورة عقد مؤتمر دولي بشأن الأزمة ، يوصل إلى حلّ سياسي ويفضي إلى حكومة انتقاليّة ، من دون تدخّل خارجي . ولكنّ الأمين العام للأمم المتحدة ، على الرغم من دعوته المعارضة إلى المشاركة في المؤتمر الموعود في جنيف ، حمّل كعادته، مسؤوليّة القيادة السورية في الأزمة .‏

أمّا سورية ، فقد كان موقفها واضحاً وصريحاً ، إذ أعلنت ترحيبها بعقد مؤتمر ( اجتماع جنيف 2 ) استناداً إلى بيان (جنيف 1) ، وموافقتها على الحلّ السياسي السلمي القائم على الحوار الوطني ، من دون أي تدخّل خارجي ، وهي سائرة في هذه الطريق منذ بدء الأزمة . وهذا ما أكّده السيد الرئيس بشار الأسد في حديثه الأخير إلى وكالة الأنباء الأرجنتينيّة الرسميّة وصحيفة كلارين ( 18-5-2013 ) ، بأن الحوار مع المعارضة التي لم تتعامل مع الإرهاب والعدو الإسرائيلي ، ومع الحفاظ على سيادة سورية وقرارها المستقل ، ورفض أي شروط أو قرارات تتعارض مع السيادة والاستقلال ، فلا أحد يتحدّث عن الشعب السوري ، وهو الوحيد الذي يقرّر مستقبله من خلال صناديق الانتخاب .‏

وفي المقابل ، على الدول الداعمة للمعارضة ، من العربان وغيرهم ، من خلال تسليح عملياتها الإرهابيّة بأشكال مختلفة ، أن تغيّر مواقفها ، فتوقف هذا الدعم ، وتكفّ عن المواقف التحريضيّة المتطرّفة ، والتشكيك في جدوى المؤتمر المزمع عقده في جنيف . وفي المقابل ، تشجّع على الحلّ السلمي وتضغط على أدواتها ممّا يسمى ( المعارضة ) لتستجيب إلى المبادرة الدولية الجديدة ، وتعلن تخلّيها عن العنف والمواجهة المسلّحة ، والجلوس إلى طاولة الحوار الوطني، بدلاً من الإصرار على طلب دعم العصابات الإرهابية المسلّحة لتتمادى في القتل والتخريب والتدمير ، وسفك دماء السوريين الأبرياء ، ضمن رهانها الخاسر على حلمها الوهمي ، من أجل ما تسميّه (إسقاط النظام) هذا الحلم الذي تبخّر أمام قوّة الجيش الوطني الباسل وانتصاراته المتتاليّة ، ومعه الشعب الأبي الصامد الذي أدرك طبيعة المؤامرة وأهدافها.‏

وسواء كان موعد المؤتمر في نهاية أيار أم في أوائل حزيران ، ولكي يقدّر لهذا المؤتمر أن ينجح ، فإنّ المطلوب توحيد الموقف الدولي بنوايا صادقة ، من حيث جدول الأعمال الذي يحدّد الجهات المشاركة ، وكيفيّة المشاركة ، والأمور التي يجب بحثها بالتنسيق مع الدولة السورية ، وبحيث يكون دور الدول المشاركة ، تسهيل أعمال المؤتمر وإنجاحه ، وليس ممارسة الضغوطات لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر. وبغير ذلك لا يمكن أن ينجح هذا المؤتمر أو أي مؤتمر، أو أي حوار لحلّ الأزمة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية