وقد اكتسب علم المستقبل أهميته الخاصة في الفترة الأخيرة، بسبب إمكانية تأثيره على رسم الخطط والبرامج المستقبلية البناءة، وتحديدا في سياق الظواهر الاجتماعية والثقافية والإنسانية، حيث واقعها المتداخل والمتشابك والمركب، يستلزم لبحوثه وانجازه أدوات بحثية ووسائل علمية دقيقة الخصوصية، وقد لعب ذلك دورا كبيرا في تأخير هذه الدراسات، كما يؤكد خبراء علم الاجتماع على الدوام،
ولأهميتها وأهمية علومها في الحياة، فقد بدأت تأخذ مكانتها العلمية التي تستحقها، لما تحمله من مزايا تؤهلها لتزويد المجتمع بالمعارف العلمية والبحثية التي يحتاجها لمستقبله الأجمل في السياق التربوي والاجتماعي والثقافي، حول هذا الجانب كانت الآراء التالية:
• قال الدكتور (ماجد أبو ماضي):
تأتي أهمية الدراسات الاستشرافية أنها تدخل في إطار التطلعات المستقبلة لبناء المجتمع الأفضل، وفي كل الاتجاهات، والنظر إلى هذا المستقبل من خلال رؤية مجتمعية، تؤكد الخواص المفترض أن يكون عليها المجتمع، وبناء على ذلك تدرس الحاجات المناسبة لرفع سوية هذا المجتمع على كافة المستويات، وعندما نرفع سويته، فان هذا سينعكس على الثقافة و التربية بشكل أو بآخر، فترتقي الثقافة في تلك الحالتين، وترتفع سوية المثقفين من خلال تنفيذ الخطط الموضوعة في إطار التنمية الثقافية، وما تتطلبه من احتياجات متنوعة، تهدف إلى خلق السوية الثقافية المطلوبة، وقد يدخل في هذا السياق تطوير المركز الثقافية وآلية أعمالها وأنشطتها و تنوعها، لتقوم بمهمتها في اختيار محاضراتها و لقاءاتها و ندواتها لطرح موضوعات مختلفة ومتنوعة، ثم الاهتمام بمحاور عديدة من قبل خبرات متميزة ومختصين في الموضوع المطروح، وذلك بالاعتماد على استشارات ونتائج أعمال تلك الدراسات الهامة، والتي تتطلب اهتماما أكبر.
صحيح أن الاستشراف من اختصاص علم الاجتماع و التربية، إلا أن الثقافة تأخذ حيزا هاما فيه، إذ إن الاستشراف يعتبر من نسيج المجتمع، الذي يعكس سوية المثقفين في هذا المجتمع أو ذاك، وعندما ترتقي الثقافة و الاقتصاد والعلم في مجتمع ما، فإن هذه العناصر تنعكس على سوية المجتمع وعلى أفراده و كافة مكوناته، ويستطيع بالتالي النهوض والارتقاء والتطور بالشكل الايجابي، فالاستشراف عنصر مهم في خلق تصور للمجتمع القادم للعمل على بناء المستقبل المناسب لهذا المجتمع، إذ يجسد تلبية لحاجاته المختلفة، إن كانت حاجات اقتصادية أو علمية أو معرفية و ثقافية.
كما أن الاستشراف من جهة أخرى يدعونا أن نضع تصورا فيه نظرة مستقبلية لسد كافة الثغرات، التي تنتج عن أزمة من الأزمات، فعلى سبيل المثال، ونتيجة لأزمتنا الحالية، وجدنا أن الحالة الثقافية، قد تراجعت عن الماضي، وقد أصبح النشاط الثقافي ضعيفا، هنا يأتي دور الدراسات الاستشرافية لوضع التصور المستقبلي، كي نعيد إلى هذا المجتمع حيويته الثقافية، ونبحث في صعوبات وضع التصورات الأفضل، وتحريك تلك العملية من خلال الشريحة المثقفة، ليعود المجتمع إلى نشاطه المتميز، الذي تراجع نسبيا نتيجة هذا الظرف الذي مر على مجتمعا.
وإن ربطنا مابين الدراسات الاستشرافية واللغة العربية ومستقبلها، يمكننا التأكيد على أن اللغة العربية هي الأساس، الذي تتكئ عليه كافة العلوم والإبداعات، فهي الجسر الواصل بينها، وهي الهوية، ولا بد من القول بان التعبير عن كل هذه التطورات المستقبلية، يطلب منه أن يكون مصوغا بأسلوب لغوي سليم و معافى، وبمصطلحات علمية مقبولة ومعبرة عن هذا الاستشراف، فالتحقيق اللغوي لهذا الاستشراف يجب أن يعطي الصورة الصحيحة والواضحة، كي يكون ذلك التعبير دقيقا، يجسد المعطى اللغوي القادر على القيام بمهمته ودوره في تجسيد ذلك التصور، كما هو الوضع القادم.
هنا يتوجب ومن خلال اللغة، ربط الماضي والتجارب التي مرت على هذا المجتمع، مع التصور المستقبلي، فتكون اللغة العربية كما هي دوما الجسر الواصل بين الماضي و الحاضر و المستقبل، كونها تعبر عن كينونة هذا المجتمع و مستوى ثقافة أفراده كما هو الوضع العام، وتكون قادرة ومعبرة عن النظرة الاستشرافية للمجتمع، وبالشكل المطلوب والمتميز والحقيقي.
فالدراسات الاستشرافية تأتي أهميتها بكونها تؤثر على رسم الخطط العلمية الدقيقة القادرة على انتقاء الأفضل للمجتمع، حيث تحتاجها حل المشكلات العالقة.
فعلم الاستشراف هو علم جديد يحاول وضع احتمالات محتملة الحدوث، كما يهتم بدراسة المتغيرات التي تؤدي إلى حدوث هذه الاحتمالات وتحقيقها، كما يؤكد اختصاصيوعلم الاجتماع، فعلم المستقبل يهدف إلى رسم صورة تقريبية، بكونه ليس دراسة فقط، بل عليه أن يستحضر تحديات المستقبل و أزماته.
• وقد أكد الدكتور (محمد إبراهيم) أستاذ علم اجتماع خصوصية تلك الدراسات وأهميتها و أدواتها، معتبرا إياها ضرورة ملحة لا غنى عنها في سياق التنبؤ بالمتغيرات، والتحديد لقائمة الأولويات و الأهداف الاجتماعية، كما أن تلك الدراسات لا تكتفي بدراسة التصورات المستقبلية، بل التناول للأدوات والوسائل التي يمكن أن تؤثر في مجرى الأحداث، وما تتوافقه مع رغبات مجموعة الأفراد التي يخصها ذالك المستقبل.
وقد أصبحت الدراسات المستقبلة ضرورة حتمية لا غنى عنها في الوقت الحاضر، وتحديدا لمواجهة متطلبات التقدم التكنولوجي السريع، والاستعداد لما يستلزم إعادة تشكيل و بناء النظم التعليمية بناءً يتناسب مع متطلبات هذا التقدم،
فالتربية تحقق هدفها عندما تعتمد على الدراسات الاستشرافية، مما يجعل التخطيط التربوي، يكمل سياسة مستقبلية عامة للتنمية المجتمعية،
فاستشراف المستقبل ضروري ومفيد، بكونه يضع احتمالات وبدائل للمستقبل أمام متخذي القرار، بعد أن يتم تزويد المخططين بالمعلومات اللازمة لاختيار الأفضل لاستشراف المستقبل، وما تتطلبه مسألة التخطيط له، بهدف التطوير، مع التأكيد على تحديد احتياجات المجتمع من التعليم، ثم الاستعداد لقبول أعداد، من أجل التنمية المجتمعية، من أصحاب المهارات والقدرات المختلفة وغيرها.