هذا الإعلان أفسح المجال لظهور تساؤلات عدة في كل من واشنطن وموسكو حول الدوافع الكامنة وراءه وتداعياته ، وعن علاقة الولايات المتحدة بحلفائها في أوروبا الشرقية، وكذلك حول مدى التغيير الذي حققه «أوباما» فيما يتعلق باستراتيجية الدفاع الصاروخي الأميركية.
بهذا الصدد نشرت مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي دراسة للباحثة في برنامج حظر الانتشار النووي التابع للمؤسسة «كيمبرلي ميشر» خلصت فيها الكاتبة إلى أنّ قرار «أوباما»كان سليماً وذلك لعدة اعتبارات تقنية ومالية وأمنية وسياسية.
بدايةً لابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة بدأت في العام /2007/ بالترويج إلى إقامة قاعدة للدفاع الصاروخي في /بولندا والتشيك/ الأمر الذي أعاد أجواء الحرب الباردة لتخيم من جديد في سماء العلاقات الأميركية- الروسية.
وفي المقابل أعلنت موسكو عزمها على نشر صواريخ بالستية من طراز/اسكندر(1)/ في قاعدة كلينغراد العسكرية،والشروع في تطوير منظمة دفاع صاروخي متطورة.
من جهة أخرى لم تكن المبررات الأميركية لتوسيع مظلة الدفاع الصاروخي الأميركية إلى شرق أوروبا بحجة التصدي لتهديدات الصواريخ البالستية الايرانية مقنعة بالنسبة إلى موسكو، والسبب أن الصواريخ الإيرانية هي متوسطة وقصيرة المدى، ثم إن ايران معنية بمنطقة الشرق الأوسط المجال الحيوي الرئيسي لها، وليست معنية بتوجيه صواريخها ضد أهداف في القارة الأوروبية ، علاوةً على ذلك فإن منصات الاعتراض الصاروخي تقع على حدود روسيا وليس على حدود ايران.
والآن ما الاعتبارات التي دفعت الرئيس «أوباما» إلى قراره هذا؟
1- إن برنامج ايران للصواريخ طويلة المدى لم يشهد تطوراً بالسرعة التي كانت متوقعة، ذلك أن ايران تعتمد على صواريخ بالستية متوسطة المدى هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تقديرات الاستخبارات الأميركية أن تطوير ايران لصواريخ بعيدة المدى ليس وارداً تحقيقه قبل حلول العام /2015/ ومن جهة ثالثة فإن التهديد الايراني بالصواريخ بعيدة المدى فيما لو امتلكتها ايران ستقتصر على تهديد مصالح دول في الشرق الأوسط وليس لأمن القارة الأوروبية أو الولايات المتحدة.
2- أما العقبات التقنية فتتمثل في أن منصات الاعتراض الصاروخية في بولندا والتشيك غير قادرة على حماية أوروبا والولايات المتحدة، بل تحتاج إلى أكثر من عشر منصات، وأنه يمكن استخدام تقنيات فعالة للتمويه، إلى جانب أن منظومات الرادار والإنذار المبكر التي تعتمد عليها الدرع الصاروخي الأميركي معقدة إلى حد كبير واحتمالات وقوعها في خطأ والتقدير كبيرة جداً، ثم إن الصواريخ الاعتراضية من خلال التجارب التي أجريت لم تحقق درجة كبيرة من النجاح فمن أصل ست تجارب لاعتراض الصواريخ البالستية خلال السنوات الخمس الأخيرة نجحت تجربتان فقط وهذا يعني أن نسبة النجاح في اعتراض الصواريخ الباليستية لم تتعد 33%
3- إن كلفة المشروع المالية باهظة حيث قدرت إدارة الرئيس /بوش/ أن كلفة نشر درع صاروخية أميركية في شرق أوروبا تقارب /4/ بلايين دولار حتى عام /2015/ ،الأمر الذي جعل مكتب المحاسبة الحكومي الأميركي ينتقد ذلك.
4- إضافةً إلى الأضرار التقنية والمالية لمشروع الدرع الصاروخي فإن إقامته ستحمل معها تداعيات سياسية على صعيد علاقة الولايات المتحدة بروسيا وحلف الأطلسي ..فبالنسبة لروسيا ما زالت تربط بين هذا المشروع وبين استراتيجية حرب النجوم التي تبناها الرئيس «ريغان» في العام /1983/ باعتبارها محاولة لتكريس الهيمنة الأميركية كما أن موسكو لم تنس التدخل الأطلسي عسكرياً في يوغسلافيا في العام /1999/ دون أن يحسب لها حساب وحتى دون موافقة مجلس الأمن .
والأهم من ذلك أن المخاوف الروسية ارتبطت أكثر بشبكة الرادار والإنذار المبكر التي يصل مداها إلى نحو /3000/كم والقادرة على كشف مختلف التحركات والأنشطة العسكرية داخل الأراضي الروسية.
ومن التداعيات السياسية لنشر الدرع الصاروخية أن روسيا قد لا تتعاون مع الولايات المتحدة في قضايا هامة مثل الملف النووي الايراني والوضع في أفغانستان .
كذلك تثير مسألة نشره خلافات داخل حلف الأطلسي، ويفتقد أيضاً المشروع إلى التأييد الشعبي في جمهورية التشيك وبولندا فنسبة معارضيه 53% في بولندا و67% في التشيك كما بينت استطلاعات الرأي التي أجريت بهذا الشأن مؤخراً.
باختصار يمكن الاستنتاج في نهاية الأمر فإن الهدف الأميركي من نشر درع الدفاع الصاروخية ليس التصدي للصواريخ الايرانية بل إن موسكو هي المستهدفة بالأساس من هذا المشروع كما أن تبني مبادرة مشتركة للدفاع الصاروخي لن تتحقق على المدى المنظور، لأن العديد من دول شرق أوروبا الأعضاء في حلف شمال الأطلسي رهنت مستقبلها بانضمامها إلى هذا الحلف ولا تزال تتقبل الأفكار التي تروج لها بعض الأوساط المشبوهة بأن روسيا تشكل تهديداً لأمنها القومي.