وقد رصدت الأموال اللازمة وهي 1،5 مليار دولار أمريكي.
الجدار الجديد يستكمل الهدف المعلق على الجدار الفولاذي المصري بين سيناء وقطاع غزة.
وفي الأسباب الموجبة لإنشاء هذا الجدار أن «إسرائيل» حسب ناطق الخارجية في 11/1/2010 لا تستطيع السماح لمصر بزيادة عديد قواتها في سيناء طبقاً لاتفاقية الصلح (كامب ديفيد 1978) والقوات المحدودة لا تلبي حاجة منع التسلل إلى النقب المحتل 1948.
فما الهدف الكامن خلف هذا الجدار الجديد؟
في التدقيق نتبين أن المشروع الاسمنتي الجديد موصول بعقلية سياسية تعتمد فلسفة بناء الجدران التماساً للأمن.
وفي مقتضى هذه العقلية تم تطويق قطاع غزة بجدار التفافي تتخلله المعابر سواء بين مصر والقطاع حيث الجدار الفولاذي بعمق عشرين متراً إغلاقاً للأنفاق أو بين الأرض المحتلة 1948 والقطاع وبما لا يعوق حركة الدبابات والجرافات التي تتولى فصلياً تدمير المزروعات الفلسطينية ولاسيما بعد الانكفاء في 2005 من المستعمرات بقوة تسيد نهج المقاومة عند أهل غزة.
وعن هذه العقلية الإسرائيلية انبثق أول مرة بناء الجدار الذي يخترق الضفة الغربية من الشمال إلى ضواحي الخليل وقضت محكمة العدل الدولية في لاهاي ببطلانه لكونه خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة 1949 ولضوابط الشرعية الدولية ذات الصلة بوضع الأرض والأهالي إبان الاحتلال.
وفي التدقيق أيضاً لا تنفصل العقلية السياسية الإسرائيلية الساعية إلى التماس الأمن خلف الحيطان الاسمنتية عن عقلية «الغيتو» التي تميز بها تاريخ المرابين اليهود في أوروبا الذين لم يجدوا أفضل من المعزل المغلق (غيتو وارسو) لحماية اليهود من سخط الأوروبيين على ممارساتهم الربوية.
وهذه العقلية تزدهر الآن في فلسطين المحتلة وعلى تخومها القريبة وهي تستبطن فلسفة المعزل (الغيتو) في أوروبا ليس لحماية اليهود هذه المرة من سخط العرب على المرابين اليهود لأن سرطان التطبيع لم يتفش وإنما لضمان أمن هؤلاء المجلوبين اليهود إلى فلسطين وما حولها للاستثمار الاستعماري من سواعد المغتصبة أرضهم وبنادقهم وتصميمهم على استعادة حقوقهم وحريتهم.
يندرج في مخرجات فلسفة الأمن بالجدران خطاب «إسرائيل» الخاص بالجولان السوري المحتل بوصفه حسب هذا الخطاب مرتفعات تشكل مانعاً طبيعياً ذا قيمة استراتيجية للوقاية من الأعمال العدائية.
بيد أن الملحوظ في تسارع بناء الجدران خلال السنوات الأخيرة أنه مشفوع باستفحال أزمة وجودية في الكيان الصهيوني ما انفك يكابدها أساساً منذ أن زرعته القوى الإمبريالية شرق المتوسط بين 1917 و1948.
وهنا مكمن الأهمية التاريخية لانتفاضة الأقصى ابتداءً من أيلول ألفين.
إذ إن الانتفاضة بفعالياتها المؤثرة داخل الأرض المحتلة 1948 كشفت الهشاشة في دعائم هذا الكيان من خلال تنامي ظاهرة الهجرة المعاكسة «كعب أخيل» المشروع الصهيوني الظاهرة المحمولة بصفة خاصة على اتساع الإصابات بالهلع بعد كل عملية استشهادية في تجمعات جنود الاحتلال ومستجلبيه ومستعمراتهم.
وقد أعاد صناع القرار الصهيوني انتاج فلسفة المعزل (الغيتو) ببناء الجدار الاسمنتي الذي يخترق الضفة الغربية بسبب تدني كفاءتهم في مجابهة أسلوب المقاومة الخاص بالمباغتة في عمق أراضي 1948.
ورفدت الولايات المتحدة «إسرائيل» بالتقنيات الضرورية لكي يكون الجدار فعالاً بما يكفي ليس لخفض هجمات المقاومين غرب الجدار بل لتفكيك خلايا المقاومة شرقه بالتعاون مع قوى أمنية فلسطينية بقيادة الجنرال الأمريكي كيث دايتون ذي المهمة الواحدة المحددة مطاردة المقاومين لاختطافهم أو قتلهم.
ولذلك يمكن أن نعد التعاون الأمني الفلسطيني مع الاحتلال تحت مظلة «الاتفاقات الموقعة» جداراً سياسياً أشد فعالية لدى الجنرال دايتون من الجدار الاسمنتي المدان في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وما يمكن معاينته في الوضع الحاضر أن هذا الجدار السياسي الذي يستظل باتفاق أوسلو إنما يهتز ويضطرب باضطراب صدقية العملية السياسية التي تؤطره ويتهدد انهيارها فعالية الجدار الاسمنتي نفسه.
فلقد قاد تطور الأحداث اللاحق على العدوان على غزة قبل عام وفيها التتابع الاجرائي لتقرير غولدستون بعد اعتماده في مجلس حقوق الإنسان 16/10/2009 إلى أن يد العدوان الإسرائيلي أمست مغلولة وإلى انهيار المعمار الدعائي لتسويق التعاون الفلسطيني الأمني مع الاحتلال بوصفه جزءاً من العملية السياسية.
وإلى انكشاف ظهر الخبث في محاولات استدراج نهج المقاومة الفلسطيني إلى متاهة العملية السياسية والجري في ملعب «إسرائيل» من باب توظيف معاناة أهل غزة كشاهد على «جدوى» العملية السياسية وكقرينة على كلفة عالية لنهج المقاومة.
لكن تجاهل الحقائق لا يلغيها والاعتراف الأممي الواسع بنهج المقاومة الذي شكلت قوافل شريان الحياة إلى غزة عنوانه قد حاصر كجدار شاهق عظيم الفاعلية الدور المتأبلس لواشنطن في عهد الرئيس أوباما بمقاربة سياسية تجانب نقطة البدء الضرورية وهي مسألة احتلال الأرض وانتهاك الحقوق إلى الغوص في تفريعات هذه المسألة مثل «تقييد» حركة بناء المستعمرات.
ومع سطوع نجم هذه الحقائق الحاكمة للتطور اللاحق والمدى المتوسط والبعيد لم يجد صناع القرار الصهيوني بديلاً من استنساخ فلسفة (غيتو وارسو) بتشييد الجدران الاسمنتيه للحد من تنامي الهلع المفتوح على هجرة معاكسة تتهدد المشروع الصهيوني بالتلاشي الذاتي التلقائي.
Siwan.ali@gmail.com