حيث نجد أن واشنطن قد عبرت عن رغبتها: بمد جسور التواصل مع العالم الإسلامي، وإجراء حوار مع إيران، في الوقت الذي وضعت فيه القيود على التحركات السياسية الإسرائيلية، حيث أوفدت المبعوث الأمريكي جورج ميتشل الذي يؤكد باستمرار على فكرة «حل الدولتين لشعبين»، وأجرت المباحثات مع سورية عن طريق مبعوثها، كل تلك الأمور وضعتها في جدول أعمال مكثف لم تترك فيه ثغرة لينفذ منها رئيس الحكومة الإسرائيلية.
لكن ما حصل على أرض الواقع هو أن التحرك الأمريكي لم يكن سوى كثيراً من الحركات التي تحاكي الرقص السريع في المكان إذ إن عملية السلام لم تحظ بأي تقدم على الجانبين الفلسطيني أو السوري. أما ما قيل عن محادثات ستجري مع ايران فقد استبدلت بفرض العقوبات عليها، كما وأن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل قد صمت ولم يسمع أي تصريح له منذ فترة طويلة. وبذلك لم يتحقق من تطلعات وآمال باراك أوباما سوى ما حققه على صعيد حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عندما تمكن من إجبار نتنياهو على التصريح بقبول حل الدولتين وتعليق محدود مؤقت للبناء الاستيطاني.
مضى ما ينوف عن شهر منذ أن أعلن نتنياهو عن عملية تجميد البناء في المستوطنات، وها هو الشهر الثاني في حساب الزمن، ولن نلبث أن نشاهد أن التسعة أشهر التي وعد بها قد انقضت، وبذلك يكون رئيس الحكومة قد لبى للرئيس الأمريكي مطلبه ورغبته التي أبداها في السنة الماضية بتجميد الاستيطان، دون أن يدفع ثمنا مقابل ذلك.
لقد أدرك نتنياهو أن التفاوض مع الفلسطينيين أو السوريين لن يعطي أُكله، وإنما التفاوض الحقيقي هو التفاوض مع أوباما، لذلك دفع الثمن له بهذا الإعلان بهدف استمرار العلاقات الحميمة مع واشنطن دون ان يجد نفسه مضطرا للتخلي عن ايديولوجيته، وبذلك فإن الخسارة التي لحقت به إزاء هذا التصريح لا تمثل إلا جزءا صغيرا، مما تحقق له من المكاسب التي حصل عليها في هذا المضمار، ويبدو أن اوباما وقع في الشرك الذي نصبه له رئيس الحكومة معتقدا بأنه ألزمه بتنفيذ ما طلبه منه والنصر عليه، لكن الواقع يؤكد بأنه لم يتسن له التغلب على السياسات التي رسمها نتنياهو.
لو أن اوباما أصر على إسرائيل بتنفيذ ما رسمه من خطة مع إقناع بعض الدول العربية باتخاذ خطوات رمزية تتمثل بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولو نهج إلى إقناع محمود عباس بأن عملية التجميد سيقابلها العودة إلى محادثات السلام، فعندها سيجد نتنياهو نفسه مضطرا للدخول في مفاوضات القضايا الجوهرية، لكن أوباما جعل اهتمامه مقتصرا على نتنياهو.
أشار محمود عباس في مقابلة له مع جريدة الشرق الأوسط الى ان اوباما وضع شرطا على اسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني بشكل كامل، وكان هذا الشرط مبالغا فيه ويصعب تنفيذه، وهو في كلامه هذا كأنه يلقي باللوم على نظيره الأمريكي الذي وضعه في هذا المأزق الدبلوماسي. ذلك لأن عباس لم يطالب أصلا بوقف البناء في المستوطنات سوى لمدة ستة أشهر دون أن يطلب إعلان ذلك على الملأ، لكن نتنياهو رغبة منه بإرضاء أوباما، اتخذ هذا الإجراء واثقا بأن هذا الإعلان لن يفضي إلى قبول عباس بالعودة الى طاولة المفاوضات. وإزاء ذلك، فلن يتعين على نتنياهو خلال هذه الفترة المقدرة بتسعة أشهر سوى الإبقاء على عملية تجميد البناء في المستوطنات، الأمر الذي يبرر عدم ممارسة الضغوط على إسرائيل لجهة تعليق البناء الاستيطاني، وستتمكن إسرائيل من القول إنها بذلت مساعيها وقدمت التنازلات، لكنه ليس في الجانب الآخر من شريك لها في المفاوضات.
كان من المتوقع أن تكون سورية في المرحلة الثانية من برنامج اوباما، وكانت البداية تبشر بالنجاح حيث تكثفت الزيارات إلى دمشق من قبل العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، ومنهم جورج ميتشل، وساهمت في تغيير العلاقات المتوترة التي كانت قائمة في عهد جورج بوش الابن. وقد حظيت المحادثات غير المباشرة التي قامت بوساطة تركية بمباركة أمريكية، وبدا وكأنه لم يبق سوى دفعة صغيرة يجلس بعدها مندوبا إسرائيل وسورية على طاولة المفاوضات.
إن انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان ليس له من موقع في مخيلة نتنياهو، وأنه في الموضوع الفلسطيني، حدد عدوه «الحقيقي» ألا وهو المفاوضات، وبذل كل مساعيه واتخذ كافة السبل للتخلص منه. أما بالنسبة لسورية فقد وجد ضالته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بادعاء كونه غير مناسب للقيام بالوساطة، في الوقت الذي تلح فيه سورية على بقاء الوساطة التركية للمفاوضات. أما بالنسبة لأمريكا، فإننا نرى أنه لن يضيرها ان دعت نتنياهو والرئيس السوري إلى واشنطن لبحث المعضلات القائمة.
لقد مضت سنة على دخول أوباما للبيت الأبيض، تبين خلالها ان خداعه أمر ممكن وغير معقد، وبدا ذلك جليا عندما دفعت إسرائيل ثمنا بسيطا استطاعت بموجبه التخفيف من مطالب واشنطن، بينما بقيت الأطراف الأخرى مستمرة في النزاع دون أن يتغير أي شيء على أرض الواقع.
بقلم: تسفي بارئيل