|
لم يعد المنزل يتسع ...اختلال التوزع السكاني..يرهق مدناً ..ويبدد أخرى مجتمع وعادل واحد من بين الكثيرين الذين تركوا محافظاتهم البعيدة طلبا للعمل، وأقاموا في أطراف دمشق، أو حلب، ، وكما منزل عادل لم يعد يتسع لأقربائه القادمين، لعل المدن أيضا لن تستطيع ان تستوعب الوافدين اليها،فالاحصاءات الرسمية تقول إن ما يقارب ثلاثة أخماس سكان سورية الواصل عددهم الى العشرين مليون نسمة يقيمون في حلب وحماة وحمص وريف دمشق ودمشق، ما يعني أن الكثافة السكانية تنحصر في مدن محددة وهذه من أهم المشكلات السكانية التي تعاني منها بلادنا، لأنها تتفرع الى مشكلات بيئية وتعليمية وخدمية، حيث إن المساحة في هذه المحافظات مكان التجمع لا تشكل أكثر من 13% من مساحة سورية، وأن ما يقارب 44% من سكان سورية يعيشون في دمشق وريف دمشق وحلب. واذا عدنا الى تقرير السكان الأخير الذي صدر عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة،فإنه يحدد خصائص السكان أو العناصر الأساسية كما يلي: ارتفاع معدل النمو السكاني واختلال التوزّع الجغرافي- السكاني، وضعف الخصائص السكانية.اذاً الاختلال في التوزع الجغرافي مشكلة لابد من التصدي لها، لأنها ستؤدي الى تركز الكثافة السكانية في مدن دمشق وحلب أي بناء المزيد من الأحياء المخالفة على أطراف هاتين المدينتين، وبالمقابل هجرة المدن التي لايوجد فيها عمل كدير الزور والرقة، واذا قلنا إن هذا يخلق مشكلات بيئية فيزداد التلوث في المدن الجديدة ويزداد التصحر في المدن الأصلية، لانكون ابتعدنا عن الحقيقة ولكنه يبدو وصفا عاما للمشكلة اذا لم نذكر التفاصيل التي تقول إن الأحياء المخالفة التي تكبر على أطراف المدن تحتاج الى مدارس، وإن الأمهات اللواتي كن يعملن في الزراعة في محافظاتهن الأم أصبحن عاطلات عن العمل، ففي حي تشرين لاتوجد أي مدرسة داخل الحي، والمدارس القريبة منه في مساكن برزة وبرزة البلد، ما يضطر الصغار لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام للوصول الى تلك المدارس، وفي شوارع مليئة بالسيارات والاشارات الضوئية، أحيانا تكون السبب في عدم ارسال الأبناء الصغار الى المدارس، وما يخلق سببا للتسرب من المدارس، أي إن مشكلة التسرب المدرسي التي كانت قائمة في محافظاتهم انتقلت معهم الى دمشق، وان كانت لأسباب مختلفة، وبالتالي تستمر خاصية ضعف الخصائص السكانية التي حددها التقرير. والزيادات السكانية مستمرة لأن الاحصاءات التي قالت قبل سنوات بأن مقابل كل شخص كان يعيش في سورية بداية القرن العشرين أصبح ثلاثة عشر شخصا عام 2007، يضيف عليها التقرير الحالي كسيناريو مستقبلي حول تنامي عدد السكان في سورية بأنهم سيصلون عام 2025 إلى 28.48 مليون نسمة أي بزيادة بحوالي 500 ألف نسمة سنويا. والمسألة كما تتعلق بسياسات الدولة، تتعلق بعقلية المجتمع فالناس يفضلون المدينة على الريف وكما أن لهذا التوجه أسبابه الاقتصادية، فله أيضا أسبابه الثقافية، فالعاصمة فيها التنوع والانفتاح والسينما والمسرح والاختلاط بالآخر لذلك على الحكومة أن تقوم بالدراسات وتبحث عن الحلول، لكن الاجراءات التي تطبق توصيات الدراسات لم تزل قليلة وبطيئة، وهي ان أوجدت ظروفاً معيشية ملائمة للأسرة السورية في تلك المناطق ولو بعد خمس عشرة سنة، ستكون كلفتها أقل من ايجاد حلول لمشكلات نفس الأسرة في واحدة من الأحياء المخالفة في دمشق او ريفها. ففي المنطقة الشرقية كان هناك 62 ألف فرصة عمل تخلق سنوياً مقابل انخفاض بين عامي 2001-2008 بمقدار 9 آلاف فرصة عمل، وفي عام 2008 فقدت سورية 100 ألف فرصة عمل نتيجة للجفاف كانت حصة المنطقة منها 45 ألف فرصة أي نصف الفاقد في سورية. ان تلك الأرقام تؤكد حجم الهجرة الداخلية واختلال توزع الناس بين المدن لدرجة تذكرنا بالمدن المنسية، فاذا استمر ذلك الاختلال ستستمر مدن بالمعاناة من الكثافة، وأخرى تهدد بالتبدد.
|