عبرت شهرزاد عن الفشل الجميل الذي نعيشه كبشرمع كلمة (لو) لتدل على يقين وجع الامتحقق..الخراب الذي يحدث أن نعلنه بثقة مفلس.
إنها شهرزاد المرأة الحكاية..صاحبة مأثرة القص الذي لاينتهي والحكايا التي تتناسل من بعضها لخاطر إلهاء زوجها عن قتلها فيمهلها في صباح..صباحاً آخر, لعلها تكمل له ما ابتدأ من حكاية, فيما هي تستثمر خبثها الأنثوي وتلوح بالنهاية..تومض بها كبرق يعد بالمطر..فتمطر لكن بالتواطؤ معها تمطر سماءات حكاياتها في توقيت مباغت لتكون نهاية البداية وبداية النهاية.. وهكذا تكر مسبحة الدهشة..?!
لهذا أقيمت مؤخراً في العاصمة الاسبانية مدريد ندوة عالمية حول الكاتب الارجنتيني الراحل خورخي لويس بورخيس وخصصت الندوة حول شغف وعشق هذا الكاتب بحكايا الف ليلة وليلة وقد أكد المخرج السينمائي فيكتور ايريني بأن بورخيس كان مغرماً بهذه القصص لأنها بلا نهاية باولو كويلهو تحدث في أكثر من مناسبة عن ولعه بآلف ليلة وليلة.. كذلك الفرنسي لوران غودي وربما الألماني الشهير غوته هو أهم وأكبر المتأثرين بهذه الحكاية لحد أنه اقتبس منها مسرحيته (ليونيس ولينا) الشعبية الواسعة التي تميزت بها ألف ليلة وليلة لم تحظ بذات الحظ من القراءة في الأوساط العربية والاسلامية بعد أن وزعت في المكتبات كنسخ مهذبة?
يحق لنا أن نستغرب وأن نستهجن هذا النمط من الوصاية على أخلاقنا..?!
أهم ميزة في سوالف هذه المرأة أنها لا تلف ولا تدور, تسمي الأشياء بمسمياتها وتستخدم مفردات صريحة مثلاً حين تصف لنا شعر عمر النعمان حين رأى الملكة أبريزة ابنة حردوب تقول: (رآها عمر النعمان خبلت عقله).. أليس من الغريب أن يتقبل ذلك الزمان (الحريمي) إذا جاز التعبير والمحافظ والبالغ التقليدية مفردات شهرزاد الصريحة والمباشرة وتتناقلها الشفاه بدون تحفظ.? في حين في هذا الزمان يقدمونها بعد أن (يقطعوا ويلحشوا) من عندهم بذريعة التهذيب وخوفاً على خدش حيائنا?!
ماريا كودما أرملة بورخيس قالت: إن زوجها كان يحدثها باستمرار حول الثقافة الاسلامية و(ألف ليلة وليلة) خاصة أثناء رحلتهما الى المغرب.. إحدى نساء ألف ليلة وليلة التي حدثتنا عنها شهرزاد اسمها (ذات الدواهي) بسبب سعة حيلتها وبعد نظرها.. يبدو أن الخيار الوحيد المتاح لنا أن نكون (ذوي الدواهي) حتى نحتال على البعض الذي يصر على فرض الوصاية الرقابية حتى على التراث والنماذج والأمثلة متعددة في هذا النوع من الوصايات وإلا ماالذي يفسر أن كثيراً من كتب التراث والموروث هي ممنوعة أو صادرة بنسخ ممسوخة على أنها مهذبة رغم أن أسلافنا لم يستهجونها على طريقتنا (المهذبة) إنها سموا الأشياء بمسمياتها بعيداً عن التورية والمواربة تعاملوا مع هذا النمط من الآداب بعفوية وطبيعية معقولة قياساً الى (تهذيبنا) البالغ..
شهرزاد صنعت مجدها.. من ليلة الى ليلة نسجت دهشة ما زال العالم يحتفي بها.. ونحن كالعادة ننام ونتناسى مسؤولياتنا تجاه هذا الابداع... كيف لا ونحن لدينا أدباء (كبار) يغنوننا عن حكايا شهرزاد.. لاحظوا مفردة مثل (كبار) التي درج المصنفون -على إضافتها الى كثير من الأسماء- بدون تبصر لكن مع كثير من سبق الاصرار والتعمد للتغطية والتمويه على حقيقة أننا لا نصدق ولم نقتنع ولن نقبل أرباع الأدباء مهما أصر البعض على تكريس أسماء يجهلها القارىء العادي المفترض.