فهو بحد ذاته سياسة, ونشاط, وجهد مشترك تتآلف فيه المتغيرات السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والثقافية. بغية إحداث تغيير في مفهوم الثقافة, والعلاقات الإدارية, والسلوك الإداري المعرفي, والنظم العامة الحديثة لرفع مستوى أداء الجهاز الإداري.وهذا يشمل القطاعين العام, والخاص نظراً للثقافة الاجتماعية السائدة. وقد خرج مفهوم الإصلاح الإداري من دائرته الضيقة المتمثلة بالجانب الإداري فقط لينتهي في إطار تكاملي مع السياسات المجتمعية الأخرى. المهم تلبية حاجات ومتطلبات المجتمع, والتنبؤ بمسار المستقبل, والقدرة على مواجهة كل طارئ وآني في عالم يتسم بتطور التكنولوجيا, وتقنية المعلومات, وانتشار الاقتصاد المعرفي, وعولمة الحاضر, وقيام التكتلات الاقتصادية. والسؤال المطروح كيف نبدأ بالإصلاح الإداري? وما هي مراحله?
لاشك أن الإصلاح الإداري يبنى على خطط مدروسة من خلال المراحل التالية:
- المرحلة الأولى: دراسة الواقع, وتحديد مظاهره بلوغاً إلى الشعور بالحاجة بأهميته, وعليه يجب اكتشاف مواقع الضعف, والقوة, وإبراز أهم السمات السلبية إدارياً, واقتصادياً, وسياسياً, وديموغرافياً.
المرحلة الثانية: صياغة استراتيجية واضحة المعالم, وذلك لتعبئة طاقات الجمهور,وبلورة وسائل الإصلاح.
- المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التنفيذ والتي تفضي إلى رفض الواقع, وطرح البديل.
وترتبط دوافع الإصلاح الإداري بالمستجدات السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والديموغرافية, والسلوكية. ومنها ضخامة حجم الفساد الإداري من خرق للقوانين والأنظمة, وضعف العمل المؤسساتي, وعدم الاستخدام الأمثل للموارد, مركزية القرار, الروتين, التضخيم الوظيفي, عجز الموازنة, انخفاض الإنتاج, ضعف نمو الموارد البشرية.
ويمكن للقيادة السياسية بعد تبنيها لخطة الإصلاح الإداري أن تستخدم وسائل مختلفة لتحقيقها.
ومن هذه الوسائل: وسائل سياسية, وتشريعية, وإدارية. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للحالة السورية ضرورة إحداث هيئة حكومية تعنى بخطة الإصلاح الإداري كتشكيل (مجلس أعلى للإصلاح الإداري أو وزارة للتنمية الإدارية). كما يجب الاستمرار في إعادة النظر بالقوانين, وافتتاح مراكز للأبحاث, واتباع سياسة (الإدارة الجدلية) واعتماد معيار الكفاءة في تعيين القيادات.. ولتجسيد هذه الظاهرة المتوخاةيجب أن تتسم الخطة بالواقعية على أن تكون منسجمة مع الخطط التنموية من تحديث للقطاع العام, ورفع مستوى أداء القطاع الخاص, وتوزيع علمي للقوى العاملة حسب الضرورة وإنشاء مراكز استشارية... ولابد من تفعيل دور مكاتب العلاقات العامة وتنظيم علاقاتها مع وسائل الاتصال الجماهيري.
ولقد تم مؤخراً دمج بعض المؤسسات والوزارات ولكن يجب:
- اعتماد سياسة متدرجة, ومتأنية في هذا المضمار, تبدأ في دمج المؤسسات المتشابهة في العمل, وإشعار المواطن بنتائج هذه الخطوة من خدمات أفضل, وسرعة في الإنجاز.
- تعميق عملية إصلاح آليات العمل داخل مجلس الوزراء,وكيفية اتخاذ القرار, وإعطاء الوزير صلاحيات أوسع, وهذا ما نشاهده حالياً.
- تحديد صلاحيات معاون الوزير حين تعيينه مباشرة, وكذلك معاوني المديرين العامين. منعاً لسياسة المصادرة في الصلاحيات.
- الكفاءة هي المعيار الأساسي لانتقاء القيادات بالإضافة إلى فضائل أخرى مطلوبة كالنزاهة, وحسن الإدارة والمتابعة.
ولتعميق الإصلاح الإداري لابد من الأخذ بمفهوم الإدارة المعاصرة والتي هي عملية اجتماعية, ونفسية مستمرة لتوحيد وتوجيه الطاقات البشرية لتنفي الخطط المقررة وذلك لتحقيق الأهداف المنشودة. بحسن أداء, وكفاءة واضحة بأجود الأساليب وبأقل الخسائر, والتكاليف. فهي أنشطة فاعلة, ومتحركة للجمهور من حيث: الإمكانيات, والمهارات ربطاً بهدف المؤسسة والمجتمع ضمن بيئة معروفة من التقاليد والأعراف والقوانين. وهذه الفعاليات موجودة بوجود المجتمع والسعي لتلبية رغباته, وحاجاته, ومتطلباته.
إنها الإدارة التي تستند إلى:
- العنصر البشري بمهارته وإبداعه الخلاق.
- التقانة وضرورة توطينها ورصد ومراقبة تطورها.
- التحضير الدائم من خلال خطة هادفة, واستراتيجية تسويقية جيدة, تعتمد منحى تحويل العناصر البشرية في المؤسسات من موظفين عاديين إلى رجال أعمال يسهرون لتحقيق استثمار جديد بغية تحقيق إيرادات مضافة عوضاً عن الاكتفاء بالنفقات المحددة سنوياً. واعتقد أن هذا الموضوع هو المحور الأساس لإدارة معاصرة, جادة في إحداث التغيير.
- الأخذ بسياسة (الوقاية خير من ألف علاج). وهنا يبرز دور التوعية, ونشر المعرفة.
- اعتماد التناسب بين المركزية واللامركزية. فالمركزية ضرورة لرسم السياسات, واللامركزية حاجة لتنفيذ الخطط التسويقية والعامة. ولا يمكن تحقيق اللامركزيةبدون قيادات إدارية كفؤة. وهنا لابد من الإشارة إلى الموقع الهام للمؤسسات الإعلامية في عملية الإصلاح الإداري فالعملية تبدأ من الداخل في اعتماد الكفاءة والمهنية العالية في الأداء الإعلامي وإتباع سياسة تفضي إلى وضع الجهاز الفني في الأولويات. فمن غير المنطقي سيطرة الجهاز الإداري على العناصر الفنيةبل المطلوب أن تكون الإدارة في خدمة العناصر والأجهزة الفنية التخصصية . وخارجياً لابد من مواكبة عملية الإصلاح الإداري من كل جوانبه إن مفهوم الإصلاح الإداري في تطور مستمر. يؤثر ويتأثر بالمحيط الخارجي من تطور تقني ومعرفي ومستجدات سياسية, واقتصادية محلية, وإقليمية, ودولية. إلا أنه في غاية الأهمية بالنسبة للتنمية الشاملة.