وقد شكل وعد بلفور منعطفاً مهماً لأنه أعطى الحركة الصهيونية الغطاء القانوني التي سعت لتحقيقه منذ تأسيسها. وبالرغم من أن الوعد نص: بأن لا يتم تجاوز الحقوق المدنية والدينية للسكان الموجودين في فلسطين من غيرالديانة اليهودية, هذا النص لم يقلق الصهاينة خاصةً وأن الوعد قد أشار فقط: للحقوق المدنية والدينية, وليس للحقوق السياسية أو الوطنية.
وبعد احتلال البريطانيين لفلسطين, قاموا بتوفير كافة الحمايات القانونية والأمنية والمالية اللازمة لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية. وفي غضون الحرب العالمية الأولى قدمت بريطانيا ثلاثة وعود متناقضة تخص مستقبل فلسطين وهي كالتالي:-اتفاقية سايكس - بيكو لعام 1916 مع الحكومات الفرنسية والروسية التي إقترحت أن تكون فلسطين تحت الإدارة الدولية.
مراسلات الحسين - مكماهون (التي حدثت ما بين اعوام 1915-1916) ومن مضمونها أن تكون فلسطين في المنطقة العربية المستقلة مقابل ثورة العرب ضد الحكم العثماني. على النقيض من ذلك, وعد بلفور بتحويل فلسطين لوطن قومي لليهود تحت الحماية البريطانية.
كانت الأسباب الخارجية, وأهمها الدور الذي لعبته بريطانيا, صاحبة وعد بلفور, التي انحازت بإصرار دائم إلى المصالح الصهيونية,هي التي ساعد ت اإسرائيل على احشر الفلسطينيين في زاوية مستحيلة, وداخل قفص حديدي.
و قد أجمع المثقفون العرب من اليمين و اليسار أن اإسرائيل ب هي جزء من الظاهرة الاستعمارية الأوروبية. وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق. ويحار المرء في الانتقاء من بين التأكيدات العربية. فها هو عبد الناصر في كتابه افلسفة الثورةب يحكي أفكاره كضابط في الثلاثين من العمر عند عودته من حرب فلسطين عام 1948:القد كان ذلك كله على توافق طبيعي مع الرؤيا التي رسمتها في ذهني التجربة.(فالمشرق العربي) يشكل منطقة واحدة تعمل فيها الظروف نفسها والعوامل نفسها و حتى القوى نفسها المتألبة عليها جميعا. ومن البديهي أن تكون الإمبريالية أبرز هذه القوى. ولم تكن اإسرائيل ذاتها سوى نتيجة من نتائج الإمبريالية .
إسرائيل في نظر العرب قاعدة امبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الإمبريالية البريطانية بالإتفاق مع الإمبرياليات الأخرى.وهي جزء من النظام الإمبريالي العالمي.ونشاطها في العالم هومنذ وجودها مرتبط بالنشاط الإمبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية.هذا هو على الأقل التصور الأكثر شيوعًافي العالم العربي.
ويشعر العرب من محيطهم إلى خليجهم بالمهانة جراء فرض عنصر غريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي ذ الأمريكي.إن مأساة الشعب الفلسطيني كانت نتيجة لمعطيات وأهداف الإستعمار الأوروبي الذي خطط وباشر في تنفيذ خططه في الإستيلاء على المنطقة العربية, وفي إقامة دولة اإسرائيلب,على أرض فلسطين. ومن هنا, فإن أوروبا لاتفهم قضية شعب فلسطين أكثر من غيرها فحسب, بل لابد و أن تستشعر بما مارسته من أعماق المأساة للشعب الفلسطيني.
وجاء قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ضمن مخطط استعماري استهدف المنطقة كلها بما فيها فلسطين.وكان الوجود الصهيوني في فلسطين جزءًا منه, إذ قام المخطط الإستعماري على تجزئة العالم العربي,وضمان تخلفه
إنه انطلاقاً من عقدة اضطهاد اليهود, وتحت تأثير هذه العقدة, يعتبر الغرب الأوروبي أن قيام اإسرائيل, قد شكل حلاً نهائياً للمسألة اليهودية التي لم يعرفها العالم العربي والإسلامي, وهو لا يريد أن يستوعب موقف العرب والمسلمين من هذا الحل الذي قام على أرضية المشاريع الاستعمارية المتعلقة بالمنطقة, وبالتالي فهو يذهب فيعدم فهمه,إلى مواقف الدعم المطلق للعدوانية الصهيونية تجاه شعوب المنطقة, وإلى وصم مقاومة هذه الشعوب رداً على العدوان الواقع عليها بالإرهاب, معتبراً هذا الرد,على أنه نتاج رفض هذه الشعوب اللحل الإنساني لتلك المسألة,على أساس أن الإسلام هو الذي يعيق تقبل شعوب المنطقة للفكر الحداثي والعصري والإنساني الذي هو نتاج الحضارة الغربية.
لقدتولد لدى الوعي الأوروبي قناعة, جوهرها أن معافاة المجتمعات الأوروبية من معاداة السامية بعد قيام الدولة اليهودية, قد أوصل هذه المجتمعات إلى أعلى مراحل ليبراليتها وذلك من خلال تخلصها من آخر نزعاتها غير الليبرالية المتعلقة بمعاداة السامية. وبالنسبة لعداء شعوب المشرق والعالم العربي والإسلامي للدولة اليهودية لكونها قاعدة استعمارية عدوانية وكيان اغتصابي تم زرعه في قلب المنطقة, فهو في نظر الغرب الأوروبي, مرتبط بتخلف هذه الشعوب عن ركب الليبرالية التي تتعارض حسب رؤيتهم التبسيطية والاستعلائية والعدائية, مع جوهر الإسلام, ومع جوهر الحضارات الشرقية بوجه عام التي لا تنتج غير الثقافة والنظام الاستبدادي
* كاتب تونسي