ولا يعترف المؤرخون الفرنسيون بهذه الحقيقة, كما لايعترف بها غيرهم من المؤرخين الأوروبيين والأميركيين, لأنهم لايرغبون بأن ينسبوا أي فضيلة للعرب, ويذكر المفكر الفرنسي الذي أشهر إسلامه روجيه جارودي أنه ألقى عام 1945 محاضرة في تونس تحدث فيها عن فلسفة ابن خلدون واستشهد بذلك النص من كتاب أناتول فرانس, فإذا بالجنرال الفرنسي الذي كان في ذلك الحين مقيماً عاماً في تونس, أي حاكماً لها, يستدعيه ويوبخه, ويأمر بطرده من تونس بدعوى الترويج للدعاية ضد فرنسا, ويعلق جارودي على ذلك بالقول:(إن المستعمرين يرون أن مجرد تذكير الشعوب التي تخضع لاستعمارهم بعظمة ماضيهم وثقافتهم يعتبر إهانة للمستعمرين وخطراً يهددهم).
وفي عهد الاستعمار في المغرب العربي, كان أستاذ الفيزياء الفرنسي في إحدى المدارس يشرح لطلابه نظريات الضوء, ويستشهد بنظريات عالم قديم مبتكر اسمه (الهازان) فسأله أحد تلاميذه: (من هو الهازان هذا?) ولم يكن الأستاذ يملك جواباً على سؤال تلميذه, فكلفه بالبحث عنه, ووجهه إلى بعض الكتب الأجنبية في تاريخ العالم, واستطاع الطالب التوصل إلى معرفة تاريخ حياة الهازان, فإذا به العالم العربي الحسن بن الهيثم, وعندما عاد إلى أستاذه بهذه الحقيقة لاحظ أن الأستاذ لم يعد يذكر اسم الهازان على لسانه.
وبعض الأسماء العربية التي يجد المفكرون الغربيون صعوبة في تجاهلها يكتبونها بطريقة تخفي أصلها العربي, ومثل على ذلك: ابن سينا الذي يكتب اسمه (افيسنّا) بهدف إخفاء كلمة (ابن) التي تشير إلى أصله الإسلامي, وقبل ولادة عيسوب الذي اشتهر بأمثاله وحكمه بمئات السنين, كان في لبنان فيلسوف عرف بكتابة أمثاله وحكمه التي لانزال نرددها حتى الآن على لسان الحيوانات اسمه (أحيقار) ولكننا لم نسمع بهذا الاسم إلا بعد أن كتب أنيس فريحة رسالته الجامعية عنه, للجامعة الأميركية.
وعندما نسمع الأوساط الغربية, على الصعيدين الرسمي والشعبي, تحاول الإيحاء بأن الإسلام يعني التطرف, ينبغي ألا نستغرب, فالقصة قديمة, وتعود حتى إلى ماقبل مؤتمر بالتيمور الذي عقد عام 1943 ومن ضمن القرارات التي اتخذها قرار ينص مضاعفة الجهود لتوجيه الدراسات للتاريخ الإسلامي نحو إعلاء شأن ثورة الزنج والقرامطة والحركات المناوئة للدولة الإسلامية وتصويرها على أنها حركات تطمح إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في وجه الخلافة الإسلامية الفاسدة التي يظاهرها علماء سوء فاسدون ومفسدون.