وبهذا فإن المشروع القومي العربي النهضوي يعني أمرين اثنين، الأول: مواجهة المشاريع العدائية، والثاني السعي نحو التطور والحداثة والتقدم، ومن هنا تأتي أهمية حملة الفكر القومي العربي وعلى رأسها الأحزاب والقوى والتنظيمات السياسية والجماهيرية التي تنضوي تحت اسم الحركة القومية العربية
للعمل على تعزيز الوعي القومي وتنظيم حركة الجماهير خدمة لمصالح الأمة والحفاظ على هويتها ووجودها وبناء مجتمعها العربي الموحد.
تلك بعض النقاط التي وردت في مقدمة الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان: «الحركة القومية العربية بين التراجع والنهوض» للدكتور محمد صالح الهرماسي الذي بين في كتابه أن أخطر مانتج عن الصراعات والانقسامات الداخلية التي أصابت الحركة القومية هي أنها لم تؤد إلى تشويه صورة القوميين فقط، بل أدت إلى تشويه صورة الفكر القومي ذاته، ودفعت الناس إلى الشك في صحته ووفرت لأعدائه الفرصة الذهبية للانقضاض عليه والترويج لعدم صلاحيته السياسية وعدم ملاءمته للواقع العربي ونهايته.
وقد قسم الكاتب الكتاب إلى عناوين أساسية وتوقف عند النشأة والأهداف كما عاد إلى الجذور التاريخية، وأن بوادر الوعي المشترك عند العرب ظهر في الفترة السابقة على ظهور الاسلام وتمثل في الاتجاه إلى تكوين لغة موحدة بدل اللهجات المتعددة، وكانت هذه لغة الشعر والخطابة والرسائل والدواوين، ثم تمثل في القرآن الكريم لتستقر نهائياً، وبذلك كانت اللغة العربية تاريخياً أول الأسس المشتركة لتوطيد أركان القومية العربية.
كما بين أسباب التراجع التي تعددت إلى أسباب داخلية تتعلق بأسلوب السلطات العربية وغياب الديمقراطية وقمع الحريات ومصادرة الحياة السياسية ودور الرجعية العربية التي شكلت وجها من وجوه الجذب للشباب ومنها عوامل خارجية وهي التحديات الخارجية التي تواجهها الأمة العربية من مثل التحدي المتعلق بوجود الكيان الصهيوني والتدخلات الامبريالية في الشؤون الداخلية للوطن العربي، وأحياناً كانت الخلافات بين التيارات السياسية العربية قد لعبت أيضاً دوراً سلبياً.
أما مقومات النهوض فمنها إنزال القومية العربية إلى أرض الواقع الاجتماعي الاقتصادي وإعادة النظر بفكرة تلازم الاهداف القومية على انه حاجة واقعية.
ويخلص الكاتب إلى أن الصراع الذي يدور اليوم في الوطن العربي بين المشروع الامبريالي الصهيوني الذي وجد في الارهاب التكفيري في هذه المرحلة، الاداة الملائمة لتحقيق أهدافه، وبين المشروع القومي العربي الذي تمثله القوى الوطنية العربية وفي طليعتها قوى المقاومة والعروبة أخذ بعداً مصيرياً يجعله أشبه بصراع حتى الموت، فإن انتصار قوى المقاومة فيه سيخلق مداً قومياً عربياً جديداً في المنطقة، ويؤسس لمشروع عربي يضع حدا للغياب العربي المأساوي الذي حول العرب إلى اعداء متصارعين في خدمة القوى الخارجية الاقليمية والدولية المعادية، ويمكنهم من مواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف الوطن العربي ولا سيما المشروع الصهيوني والمشروع التركي.
هذا الانتصار المرتقب سيشكل فرصة تاريخية أمام الحركة القومية العربية لتعيد تأسيس شرعيتها الجماهيرية من خلال التضحيات العظيمة التي يبذلها حاملها العربي المقاوم في هذا الصراع.
إذا فالقومية العربية الهادفة إلى الوحدة العربية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة.... باتت ضرورية وأكثر الحاحاً من أي وقت مضى في ظل التكتلات الدولية الهائلة التي نرى صورها وأهدافها ماثلة في صيغ كثيرة منها:«الاتحاد الاوروبي، دول البريكس، الفرانكفونية، تكتلات دول امريكا الجنوبية...» بعدما كانت كل دولة من دول هذه المنظومات والتكتلات الدولية تعد نفسها قوى بحالها وانفرادها وأهدافها.