تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«غزوة» باريس وطفرة الإرهاب القادمة

متابعات سياسية
الثلاثاء 17-11-2015
بقلم: عبد الرحمن غنيم

لعل السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو التالي : هل كانت « غزوة باريس » كما أسمتها داعش , والتي نفذت ليلة 13/14 تشرين الثاني , حدثاً جرى التخطيط له منذ بعض الوقت لينفذ في ذلك التوقيت أم كانت بمثابة رد الفعل على حدث آخر أو أريد لها أن تبدو كذلك ؟.

ما يجعلنا نطرح هذا السؤال أنه قبل « غزوة باريس» هذه بيومين كانت هناك غزوة أخرى نفذتها الشرطة الفرنسية واستهدفت فيها ضواحي باريس حيث يتواجد العمال المهاجرون الفقراء , ومعظمهم – كما هو معروف – من بلدان المغرب العربي . وما يلفت الانتباه الى تلك الغزوة أن خبرها الذي مرّ مرور الكرام وتجاهلته معظم وسائل الإعلام تحدث عن وقوع العشرات من الإصابات في صفوف الشرطة الفرنسية ومئات الإصابات في صفوف العمال المهاجرين المهمّشين المستهدفين .‏

من الواضح تماماً أن الشرطة الفرنسية تتجنب الربط بين الواقعتين أو الغزوتين , وأنها تؤثر إسدال ستار من النسيان على الغزوة الأولى وتركيز كل الانتباه على الثانية . وحتى نكون صادقين مع النفس , وأن نحاول قراءة ما حدث بموضوعية , لا بدّ لنا بداية من توضيح أمرين :‏

الأول – أن الشرطة الفرنسية اعتادت , ومنذ عشرات السنين , على شنّ حملات أمنية على ضواحي باريس من حين الى آخر , وأن هذه الحملات كانت تنطوي دائماً على احتمالات الصدام . لكننا لم نعرف بعد ما هي الدوافع المباشرة للحملة الأخيرة , وما هي الأسباب التي جعلت حجم الاشتباك فيها كبيراً ما أدى الى كمٍّ كبير من الإصابات في الطرفين .‏

والثاني – أن مشكلة العمال المهاجرين في فرنسا بشكل عام , وفي ضواحي باريس بشكل خاص , هي مشكلة اقتصادية واجتماعية قائمة منذ زمن طويل , ولا علاقة مباشرة لها مع ظاهرة الإرهاب , مع أن المنطق العقلي يفترض أن تكون بيئة الفقر المدقع هذه قابلة للاستثمار من قبل الإرهابيين .‏

إن التسليم بالأمرين السابقين لا يعني قطعاً أن متعهدي الإرهاب في فرنسا لا يفكرون ولا يحاولون استثمار هذه البيئة بكل ما يحيط بها من ظروف قاسية وإغواء العمال المهاجرين البؤساء للالتحاق بالإرهابيين . وحين نتحدث عن متعهدي الإرهاب , فنحن نتحدث عن شيوخ وهابيين يقف وراءهم آل سعود وشركاؤهم الخليجيون , ويتخذون من المساجد منطلقاً لتجنيد الإرهابيين , مثلما نتحدث عن فئة من صيادي الإرهابيين المنتفعين الذين يتقاضون مبلغاً يصل الى عشرة آلاف دولار على كل رأس ينجحون في تجنيد صاحبه ليتحول الى إرهابي . وبعض صيادي الإرهاب جرى تأهيلهم على يد الموساد الصهيوني وأجهزة استخبارات أخرى ليكونوا قادرين على أداء هذا الدور في اصطياد الشباب المسلم وإلحاقه بالتنظيمات الإرهابية . وإذا كانت المعطيات تؤكد أن الموساد يعدّ لمثل هذا الدور أشخاصاً من أبناء جزيرة العرب فكيف لا يركز جهده بشكل أكبر على أوروبا ؟.‏

من المؤكد أنه بعد التطورات التي طرأت على الحرب ضد الإرهاب في سوريا والعراق , وتساقط مواقع الإرهابيين بشكل متتابع , ومصرع الكثيرين منهم , وفرار آخرين كثيرين , طرأت الحاجة لدى مستغلي الإرهاب ومشغليه الى تعويض الخسائر من جهة , ورفع معنويات الإرهابيين من جهة ثانية . وهذا يتطلب ابتكار أساليب تؤدّي الى استقطاب إرهابيين جدد . فهل جاءت «غزوة باريس» ومن قبلها « غزوة ضواحي باريس « في إطار هذه المحاولة ؟.‏

بغض النظر عن فكرة وجود ارتباط مسبق أو تواطؤ بين أصحاب الغزوتين أو عدم وجود هذا الارتباط , فإن الاحتمال يبقى قائماً في أن جهة استخبارية ما – ليس ضرورياً أن تكون المخابرات الفرنسية – هيّأت مسبقاً لـ « غزوة باريس » الداعشية على أن تأتي هذه الغزوة من حيث التوقيت تابعة لمشكلة تقع في ضواحي باريس بحيث يمكن تفسيرها على أنها جاءت انتقاماً داعشياً من السلطات الفرنسية . ومثل هذا العمل يمكن أن يتخذ مدخلاً لاصطياد أكبر عدد ممكن من العمال البؤساء بغرض تحويلهم إلى إرهابيين بعد أن يجري تصوير الأمر لهم بأن « إخوانهم في الإسلام » قد هبوا لنجدتهم .‏

حين ننظر الى الإجراءات الفرنسية العاجلة التي اتخذت عقب «غزوة باريس» نشعر بأن هذه الإجراءات حصرت في نطاق ضيق للغاية . وكأن هدفها حصراً هو تعقب الإرهابيين الجناة الذين ساهموا في تنفيذ « الغزوة » , والقول بأنها عرفت هوية الجناة الأحياء منهم والأموات , وأن مهمتها في محاربة الإرهاب داخل الأراضي الفرنسية تقف عند هذا الحد , وأما في الخارج فإنها ذاهبة للانتقام من داعش .‏

إن مثل هذه السياسة قائمة على استمرار التجاهل الفرنسي لحقيقة أن هناك جهات في داخل فرنسا وفي خارجها تواصل العمل على تجنيد الإرهابيين واستثمارهم , وأن هذه الجهات تحاول التعويض عن الخسائر الكبيرة التي تلحق بالإرهابيين في سورية والعراق بافتعال أحداث في أوروبا تؤدي الى تفاقم الإرهاب , وأن « غزوة باريس « ليست سوى واقعة من وقائع الإرهاب الذي يمكن أن يوجه المزيد من الضربات في باريس وفي غير باريس من مدن أوروبا في محاولة منه لافتعال طفرة جديدة للإرهاب . وإن السلوك الفرنسي تجاه داعش يذكرنا تماماً بسلوك سلطات أردوغان تجاه داعش حيث تستمر هذه السلطات في دعم داعش وتدّعي الإسهام في محاربتها في الوقت نفسه . لكنها تطبق المعادلة القائلة : ضد داعش في الداخل التركي ومعها في أراضي العرب . ويبدو أن حكومة هولاند تريد أن تطبق المعادلة ذاتها : ضد داعش في الداخل الفرنسي ومعها ومع غيرها من المنظمات الإرهابية في أراضي العرب .‏

ويبقى أن « غزوة باريس» تدلل على أن طفرة الإرهاب القادمة إذا حدثت ستكون وبالاً بالنسبة لأوروبا . فإذا دخلت أوروبا مع لعبة الإرهاب دائرة الفعل ورد الفعل فإنها ستعاني من فتن بالغة الخطورة , حيث أن بنية المجتمعات الأوروبية أقرب الى التأثر بالفتن والانسياق معها .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية