وعليه فقد عُرف عن السياسات الأميركية ما وراء البحار بأنها متعهدة للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية الشرق أوسطية، وفي وقت بدأ فيه النظام العربي يستجمع المزيد من القوى السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، كان الغرب غارقاً في أزمته المالية والاقتصادية، وكان لا بد له أن يحل مشكلته، ويفتح الأفق المسدود أمام المشروع الصهيوني التهويدي على حساب العرب وخاصة حين شرع يستثمر بالممالك والمشيخات لكي يتبنّوا تغطية التغيرات الجغرافية، والديمغرافية التي رسمت للخرائط الجديدة على أرض العرب وفي النظام الجمهوري حصراً.
وبهذا ظهرت معادلة الاستهداف الأولى للجمهورية العربية السورية وبذريعة واهية واعتُبرت ممالك الرمال ومشيخاتها النموذج الإقليمي، والدولي للديمقراطية وحقوق الإنسان، فكانت هذه المهزلة صدمة للمجتمع الدولي الباحث فعلاً عن تحسين صورة النظام العالمي، والتخفيف من وطأة الأزمات العولمية فيه على ضوء نتائج الثورة الإلكترونية في حقل الاتصالات، وجعل الكرة الأرضية قرية صغيرة من خلال الأنترنت، والمعادلة الثانية كانت في التواتر الدولي والتوتر بين قوى شرقية صاعدة: روسيا، الصين، الهند، ومعها أميركا اللاتينية، وأفريقيا، وبين القوى الغربية التي دأبت على استغلال خطاب القوة في العلاقات الدولية، ولم يعد بإمكانها إبقاء خارطة نفوذها الدولي على صورة ما كانت عليه، وهكذا بدأ يختل توازن القوى الغاشمة الغربية بالزعامة الأميركية لمصلحة شرق الكرة ودوله الناهضة.
ووفقاً لمقتضاه بدأ التعاطي الغربي مع المهام المطلوبة على الصعيدين الدولي والإقليمي لكي تبقى المؤثرات الغربية هي الحاكمة في التوازن الدولي وفي قرارات الأمم المتحدة، لكن عودة الفيتو إلى الاستخدام من قبل روسيا والصين أنذر الغرب بأن خطاب القوة في العلاقات الدولية مرفوض وليس من مصلحة المجتمع الدولي عودة الحرب الباردة، ولا البقاء على منظومة القطب الوحيد المهيمن في العلاقات بين الأمم، وبدأت تبرز في القرارات الدولية عبر الأمم المتحدة منظومة النظام الدولي متعدد القطبية.
ومع ذلك ورغم أن أميركا في سياسات ما وراء البحار قد بدّلت منهج القوة الصلبة بمنهج القوة الناعمة، والقوة الذكية لكن هذا لم يدم وخاصة حين أتى ترامب إلى الإدارة الأميركية وعاد بمنهجية أميركا أولاً، وبعلاقات الابتزاز الدولي لحلفائه قبل خصومه الدوليين وشاهدناه كيف بدأ يخرج بأميركا من كافة المعاهدات الدولية التي تشكّلت بها علاقات التوازن الدولي لزمن معتبر.
والمعادلة الثالثة كانت الأخطر علينا نحن العرب حين صدرت الأوامر الأميركية بالعدوان والتدمير من تونس حتى تنتهي في سورية لأن المستهدف الأساسي سورية لكونها تقود نهج المقاومة العربية للمشروع الصهيوأميركي على أرض العرب.
وهنا الدور العالمي للقوى الشرقية قد بدأ بالبروز، إلا أن حقبة الثورات المزعومة خلقت الكباش الدولي وفتّحت الأعين لدى القوى الناهضة على الصعيد الدولي أن السياسة الصهيو أميركية ترسم خرائط جديدة للنظم الإقليمية، وفي حال نجاحها قد تمتدّ إلى القوى العظمى عبر الفوضى الخلّاقة التي اعتمدتها أميركا وحلفاؤها الأطلسيون حتى ينهار النظام الدولي ثم يعاد بناؤه بالإشراف الأميركي الوحيد عليه.
والمعادلة الرابعة أن الحرب الإرهابية التي اعتمدها الغرب لتدمير الدولة السورية وتفكيك مجتمعها كانت من أخطر ما عُرف من حروب في تاريخ البشرية من حيث دعمها من أكثر من ثمانين دولة، وتوفير مليارات الدولارات لها حتى تُستثمر فيها كامل طاقات المرتزقة الدوليين، والمتناقض في الحرب الإرهابية على سورية أنها حرب بالوكالة من قبل الإرهابيين وسرعان ما تحولت إلى حرب بالأصالة عبر الاحتلال الاميركي والأوروبي والتركي لأراضٍ من سورية، وأن أميركا، وأردوغان من ناحية يدّعيان أمام المجتمع الدولي بمحاربة الإرهاب وبالوقت نفسه يكشفان عن أدوار مفضوحة في مساندته، والهدف من ذلك كله ألا يُسمح لسورية الدولة الشرعية والشعب المقاوم في الانتصار على الإرهاب وتصفيته على الأرض السورية باعتبار أن إنجاز التصفية ينهي ذريعة الاحتلال الغربي والتركي لأراضٍ من سورية.
ومن أخطر ما تشهده العلاقات الدولية عبر الحرب الإرهابية على سورية هو أن الغرب المتصهين بالزعامة الأميركية شرع يضرب بحق تقرير المصير للأمم المختلفة عرض الحائط، فيلغيه من القانون الدولي ويفرض إرادته بأن يُعاد تشكيل النظم السياسية من الخارج، ولذلك نراه يتدخل في الشؤون الداخلية لمحور المقاومة، ويمارس ضغوطاته العسكرية بدعم الإرهابيين، والاقتصادية بالحصار اللّا إنساني، وبخطاب القوة الغاشمة لكي يفوّت على الدولة السورية تحرير إدلب وغرب حلب والانتقال لحل مشكلة الجزيرة السورية.
والمعادلة الخامسة أن الأعراب، وأردوغان كانوا في جبهة واحدة ضد دولة المقاومة سورية، ثم انقسموا وجعلوا السياسات الغربية تتخبّط بينهم ولاسيما في سورية، وليبيا، واليمن، والعراق، ولبنان. وبهذا التخبّط نرى السلوك الأرعن لأردوغان بأحلام سلطانية خارج أيّ عصر وأيّ ناموس من نواميس العلاقات الإقليمية، إذ في زمن التحول الدولي من سياسات تجاهل القانون الدولي التي كانت تمارسها أميركا وأطلسيوها، إلى سياسات فرض احترام هذا القانون التي تقودها روسيا ودول البريكس ننظر إلى أردوغان لنجده خارج مجرى التاريخ، وكذلك سياسات ترامب ولاسيما بعد اعتقاده بأن الحالة العربية قد وصلت إلى وضعية من التدهور، وفقدان الموقف العربي المشترك وسقوط مؤسسات العمل العربي ما يؤهله لطرح «صفقة القرن» فيصفّي القضية الفلسطينية ومعها الأراضي العربية المحتلة بعد الخامس من حزيران 1967م دونما مواجهة عربية تسقطها كما حصل في مشروع روجر، وكامب ديفيد، وأوسلو، وسيناء وسقوط هذه المشاريع عبر جبهة الصمود والتصدي التي قادها عربياً القائد المؤسس حافظ الأسد. وفي ظل انعدام الأفق أمام احتلال منظومة العدوان لأراضٍ سورية تصبح معادلة انكسار مشروع الوجود الاحتلالي أقوى من معادلة انتصاره، وكذلك وجود قوات المرتزقة لأردوغان ومهما بلغت قوى الغطرسة المتحالفة ضد سورية من استهتار بالقانون الدولي غير أنها لن تقوى على مواجهة محور المقاومة الذي تصلّب عوده أكثر بعد انتصارات سورية في غرب حلب وإدلب، وبعد جريمة اغتيال المقاوم سليماني، وبعد الإعلان عن صفقة القرن، نعم كل ما يحدث على الأرض السورية له ظلاله على أرض فلسطين، ولبنان، والعراق، واليمن، وله قوته المنتصرة في التحالف مع روسيا وإيران، وفي العلاقات الدبلوماسية السورية التي تكسب الاحترام في المجتمع الدولي وتفضح نهج الغطرسة الغربي المتصهين.