الثورة الرقمية التي اجتاحت كل شيء, وغدونا في الكثير من الاحيان مجرد أرقام على بطاقات للعمل أو المصارف, وحتى التسوق, وغيرها من الأمور الحياتية, وأصبحت أمبراطورية الفضاء الأزرق الحاكم الفعلي لنا مع فورة التطبيقات التي قدمتها الشابكة من خلال ما استجد من عقد من الزمن (فيسبوك, مسنجر, وتس اب, تلغرام, إلى ما في القائمة من مشتقات لا أحد يعرف اين تتوقف وكيف, وماذا تحمل معها من معطيات جديدة).
الثورة الرقمية طالت كل شيء, ومن الطبيعي أن ترسم ملامح الثقافة والمجتمع, وتحفر مجرى عميقا فيهما, فكيف بدت خلال العقد الماضي من الزمن (من الـ 2000 إلى 2010م) ولم تكن قد تجذرت بهذا العمق؟ ثمة دراسات مهمة جدا أجريت حول ذلك, وعقدت ندوات علت على استشراف الملامح التي تكونت وتلك التي سوف تتكون, أو هي في طور التكون والنمو في هذا العالم الأزرق الذي رقمن كل شيء.
في نقاط القوة
في الدراسة الاستقصائية التي أجراها جال محمد غيطاس, من مصر وشارك بها في ورشة العمل التي عقدت في الكويت تحت عنوان: الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة, وصدرت بكتاب العربي عام 2010م, يقدم الباحث ورقة عمل مهمة جدا رسمت ملامح الثقافة العربية الرقمية حينها, وعرض فيها تفاصيل دقيقة, ومن ثم خلص إلى عرض نقاط القوة والضعف للمشهد الثقافي العربي على الشابكة, أما نقاط القوة التي نشير إلى خطوطها العريضة فهي كالتالي:
- توجد مواقع عربية ثقافية, صممت بمعايير عالمية, وتقدم محتوى ينافس الكثير من المواقع العالمية.
- هناك حضور جيد لبعض المؤسسات التي يفترض أنها تقدم الثقافة العربية الرقمية, وفي مقدمتها الموسيقا والاغاني والارقام الخاصة بالمنظمات غير الحكومية, وتقديم مواقع الفلكلور والتعليم الالكتروني.
- ثمة أرقام تشير إلى المحتوى التفاعلي, الذي يناسب التنمية الثقافية أكثر من غيره.
- هناك اهتمام نسبي, قابل للتطور والتحسين في الاقبال على الأخذ بمبدأ تعددية الوسائط في عرض المحتوى, وهو مبدأ تحتاجه الثقافة بشدة عبر الفضاء الالكتروني.
- تعدد الفئات التي تخاطبها المواقع الثقافية, فمعظم المواقع تخاطب أكثر من فئة على مختلف الصعد العمرية والتعليمية.
- ثبت أنه بالإمكان جذب قطاعات كبرى من الجماهير العربية (قبل 11سنة) لتقبل وتتابع المحتوى الثقافي الرقمي.
- في معيار نوعية المحتوى ظهرت نسبة طفيفة من المواقع التي تتسم بمحتوى متجدد ومتفاعل ومتنوع, وهي نقطة تفتح المجال نحو إمكانية انسياب الانتاج الثقافي العربي عبر الانترنت مستقبلا.
- تنوع المستوى بين جيد وممتاز.
- حظيت هذه المواقع بمتابعة وتصنيفات مهمة, ما يعني قدرتها على التنمية الثقافية (11) سنة سابقاً.
- اجتماع نقاط القوة السابقة يعني هناك بذرة, أو نواة للجدية والوعي في اعداد وعرض المحتوى الثقافي في صورة رقمية وعرضه على الانترنت, وهذه النواة قابلة لأن تعمل كنقطة قوة تنمو مع الوقت.
نقاط الضعف
تقف الدراسة السابقة عند نقاط الضعف, وكما أسلفنا كان هذا قبل 11 سنة, ويحدد النقاط بالتالي:
- السمة الغالبة على الوجه الثقافي الرقمي العربي, انه وجه ثابت, جامد غير متجدد, وبعيد عن التفاعلية والحيوية, إذ يسطير المحتوى الجامد على معظم المواقع.
- سيادة النمط الكلاسيكي, على تصميم وبناء المواقع الثقافية, وعدم التطوير والانتقال للأنماط الاحدث القائمة على التفاعلية والتداول (حينها).
- الغالبية الساحقة من المواقع, لاتركز على فئة الأطفال, ولاتميز بين المراحل العمرية والتعليمية.
- زيارة المواقع العلمية والفكرية قليلة مقارنة مع الموسيقا والأغاني.
- الضعف الشديد في المحتوى الذي تقدمه مواقع البحث العلمي للتنمية الثقافية, طغيان النص على الصورة والفيديوهات.
- لم يستطع المحتوى الثقافي الرقمي أن يعكس ثراء الثقافة العربية على هذه المواقع.
- فتور واضح, في موقف القطاع الخاص العربي والشركات العربية في اقتحام مجال الثقافة الرقمية وتطبيقاتها وخدماتها.
- لاتهتم المواقع العربية بحقوق الملكية الفكرية.
- لاتقيم هذه المواقع علاقات تشابكية فيما بينها, للتواصل والتفاعل.
- إهمال اللغة العربية, وهذا ينسحب حتى على مواقع المجامع اللغوية, وكذلك غياب النصوص المحوسبة للغة العربية.
- لاتعمل المواقع العربية, بشكل يأخذ الأبعاد الاقتصادية في اعتباره بأي شكل من الاشكال.
- لاتحرص المواقع العربية, إلا ما ندر على تسجيل نفسها في فهارس قوائم البحث العالمية, وبالتالي فحتى المواقع التي تقدم محتوى غنيا ولا تظهر على الشابكة بسهولة, وتضيع عن محركات البحث.
موجة جديدة
هذا كان قبل عقد من الزمن, فما الذي تغير, وهل بقيت نتائج هذا المسح صالحة, هل تغيرت نقاط القوة, وكذلك الضعف, ما الذي حدث خلال عشرة أعوام بعد هذه الفورة الرقمية, وقد غزا الفضاء الأزرق كل بيت, وكل فرد ؟ هذا ما يمكن الحديث عنه لاحقا.