الموضوعات التي أثيرت في الندوة كانت من الوفرة بحيث تجاوزت مدة الندوة الساعتين وربع بحكم ما سبق، وبحكم أسئلة ومداخلات الحضور، ومنهم رسام كاريكاتور صديق تحفّظ على القول بأنه كانت هناك رسوم كاريكاتور في مصر القديمة، وأن الكاريكاتور كي يحمل هذا الوصف عليه - حسب رأي الصديق- أن يحمل موقفاً أو رسالة ما.
الحديث عن كاريكاتور فرعوني لا يقوم على التوقعات أو الافتراضات غير الموثقة، فأوراق البردي المصرية حفظت لنا عدداً من رسوم الكاريكاتور التي تعود لأكثر من ثلاثة آلاف من السنيين منها رسم فرعوني يعود إلى العام 1120 قبل الميلاد ويصور قطاً يحرس الإوز، وهناك جزء من بردية بالمتحف المصري تصور فأرة يخدمها قط. وتحفظ بعض المتاحف الأوربية بعضاً من الرسوم الكاريكاتورية المصرية القديمة، فهناك بردية في المتحف البريطاني تصور القطط والثعالب ترعى الإوز والظباء، وبردية كبيرة في متحف تورين (إيطاليا) لحيوانات تقوم بأعمال البشر فنجدهم يعزفون على آلات موسيقية، ونجد حماراً في هيئة القاضي ومساعده ثور، والمتهم في المنتصف على هيئة قط أو أرنب، وغراباً يصعد على الشجرة بصعوبة مستعيناً بسلم خشبي، فيما فرس النهر يجلس مرتاحاً أعلى الشجرة. وقد كان عند الفراعنة إله خاص للفكاهة يحمل اسم (بسى) وصورته موجودة على نحت جداري في معبد إيزيس على جزيرة فيله جنوب مصر.
بصرف النظر - مؤقتاً - عن دلالات ومعاني هذه الرسوم الفرعونية، فإنها تصنف تحت العنوان الكبير لفن الكاريكاتور، والذي ترجم إلى العربية بالرسم الساخر. لكن المصطلح المترجم لا يحيط بكل الأشكال التي وجدت في التاريخ لفن الكاريكاتور كما هي الحال مع الفنان الفرنسي أونوريه دومييه (1808-1879) الذي تقدمه الموسوعات الفنية بصفة رسام كاريكاتور ومصور وحفار ونحات، إذ أنه في هذه الأجناس الفنية جميعاً قدم نفسه بصفة الفنان الناقد الساخر، وأنجز بعض أعماله الساخرة على شكل منحوتات من الصلصال لأنه كان يشعر أن الصلصال وسيلة تعبيرية صادقة وأكثر حرية من باقي المواد.
وبالعودة إلى دلالات الرسوم الكاريكاتورية الفرعونية، يذكر الدكتور علاء شاهين، أستاذ الآثار المصرية وعميد كلية الآثار الأسبق في جامعة القاهرة، أن رسام الكاريكاتور المصري القديم رسم عدة نماذج لهذا الفن تعبر عن حب المصريين القدماء للمرح وللدعابة، وبالمقابل هناك كثير من رسوم الكاريكاتور التي هي في واقع الحال إسقاط اجتماعي سياسي يصور الفوضى، وهذا الإسقاط لا يعتبر فقط خروجاً عن الواقع، ولكنه تقليد للموجود بحس سياسي. وإذا كان هذا القول يؤكد من جهة وجود رسالة اجتماعية وسياسية للكاريكاتور المصري، فإنه من الجهة الثانية لا ينفي صفة الكاريكاتور عن الرسوم التي كانت غايتها المرح والدعابة فقط. أما رسام الكاريكاتور المصري عمرو فهمي فيرى أن (هناك جينات مصرية قديمة تصل إلى الآن)، ويبدو أن هذه الجينات قد حافظت على ذلك التنوع بين رسوم تحمل رسالة ما، ورسوم تهدف إلى التقاط المفارقة فحسب، علماً أن فن الكاريكاتور يقوم أساساً على التقاط المفارقة. وفي هذا الجانب نجد أمامنا رسوم: رخا وشوقي وكيراز و رفقى وحجازي و زهدي وبرني وصاروخان ورجائي وحاكم وطوغان وايهاب واللباد وناجي وعبد السميع. مع ملاحظة أن رسامين ملتزمين بفكر سياسي أو اجتماعي قد صنعوا أيضاً رسوماً تعتمد على المفارقة الفكاهية دون أن تحمل أي رسالة، كحال بعض رسوم صلاح جاهين ومصطفى حسين وجورج بهجوري وبهجت والليثي. وإذا خرجنا إلى الفضاء العالمي سنجد ما لا يحصى من رسامي الكاريكاتور الذين تعنيهم المفارقة وحدها، ومنهم على سبيل المثال الرسام الفرنسي الشهير سيريه.
ويبدو أننا لا نزال بحاجة للتفريق بين الجنس الإبداعي، وبين مضمونه وتوجهه، فاللوحة الخالية من الموقف تبقى لوحة، وهذا ينسحب على المنحوتة والقصيدة والرواية والمسرحية والفيلم السينمائي والتمثيلية التلفزيونية.. والرسم الكاريكاتوري..