تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عام على الانتصار الصادق ..في عيون الفضائيات... انتصار ل(الموضوعية الإعلامية).. وللمصالح أحكامها

فضائيات
الأحد 15/7/2007
علي سفر

كانت مذيعة محطة سكاي نيوز الأمريكية قد أسقط في يدها حين سألها النائب البريطاني جورج غالوي فيما إذا كانت تعرف اسم أي شخص من اللبنانيين الذين سقطوا ضحية العدوان الإسرائيلي على لبنان و غزة ..!!

و حين ردت عليه بأنه يخرج عن موضوع الحوار في نشرة الأخبار أنتفض الرجل و قال لها بالعكس.. هذا هو موضوعنا و ليس غيره. و بالحرف ختم غالوي جملته; أنتم تحفظون عن ظهر قلب أسماء القتلى الإسرائيليين و لكنكم لا تعرفون شيئاً عن العرب لأنكم لا تريدون أن تعرفوا ..‏

و ربما صنف منتجو تلك الحصة الإخبارية كلام غالوي بالخروج عن اللباقة المعتادة من ضيوف نشرات الأخبار الذين يتوقفون كثيراً عند ربطة العنق قبل المثول أمام الكاميرا ..‏

ولكن كلام غالوي الخارج عن اللباقة كان هو الحقيقة التي شكلت فضيحة أخلاقية, جعلت هذا المقطع من حديثه متداولاً على كافة مواقع الفيديو في العالم, و بالتوازي مع حكاية غالوي و المحطة الأمريكية, كان العرب من أصحاب ربطات العنق الأنيقة يخوضون معركتهم الكبرى في محاولة تضليل المشاهد العربي لإقناعه أن فكرة المقاومة هي خطأ معرفي ناجم عن الجهل الذي يخلفه في الإنسان غياب المنهجيات الحديثة للتفكير ..!! فقد بثت محطتان لبنانيتان ( المستقبل والLBC ) صوراً للقوات الإسرائيلية و هي تتقدم على تلال ما قيل أنها الأراضي اللبنانية ..!‏

و لأن المواطن العربي قد أدمن ) صدق ) المحطات التي تسوق له ما تريد بأي شكل من الأشكال , فقد ساد الإحباط طيلة ذلك اليوم و كان على هذا المواطن أن ينتظر اعتراف الإسرائيليين أنفسهم بأنهم لا يتقدمون و أن الإعلام الذي أهداهم الانتصار قد هزم هو ذاته على مذبح الواقع ..‏

هذه الحوادث التي جرت في الأيام الأولى من أيام الحرب كانت مؤشراً هاماً يستحق الدراسة عن علاقة الإنسان العربي بالإعلام , فقد جرى تسويق الفاعلية الإعلامية و منذ عقود من الزمن على أنها جزء من آليات المعركة, و لعل تعزيز حضور هذه الفاعلية عبر أكثر من حرب و أكثر من حدث قد أوهم المواطن العربي و أيضاً الكثيرين من الإعلاميين العرب بأن الإعلام قد يربحك المعركة و قد يجعلك خاسراً لها ..!‏

و لكن ألا تستحق أحداث حرب الصيف الماضي أن تقلب ظهر العرب المجن في الاتجاه المعاكس ..? إذ كيف يمكن للمحطات التلفزيونية أن تربحك معركة أنت خاسر لها ? ألا يكون السعي لهذا الهدف هو إمعانا في صناعة الوهم و التضليل ?‏

*****‏

لم تكن حرب الصيف الماضي حدثاً بعيداً عن الدوائر الشخصية لأي من الإعلاميين العرب المعنيين برسالة الإعلام المتفق عليها فقد اشتعلت الحياة الإعلامية بعراك توازى مع الحرب على الأرض بين مشكك في إمكانية انتصار المقاومة و بين متأمل في أن يكون صمودها مؤشراً حقيقياًلانكسار شوكة العدوان, و لعل الحرب الإعلامية التي نتحدث عنها هاهنا أفرزت ومن ضمن ما أفرزته انقساما واضحاً بين نمطين في التفكير يحكمان الوسائل الإعلامية العربية الأول وهو الإعلام الذي عايش الحرب من منطلق المتابعة الإعلامية المهنية الدقيقة, و لم تكن مسارات متابعته بعيدة عن كونه إعلام يتماش بشكل أو بأخر مع النوازع الوطنية لأفراده و العاملين فيه ,.. و الثاني هو الإعلام الخاضع لهيمنة لحسابات المصالح الخاصة بالمؤسسات التي يمثلها, فإذا كانت تلك المحطات اللبنانية التي بثت صور الوهم عن التقدم السريع للقوات الإسرائيلية ضمن الأراضي اللبنانية هي المثال عن هذا الإعلام فإن المحطة النقيض لها لم تكن قناة المقاومة ( المنار) التي تم قصف مقرها في ساعات العدوان الأولى, بل كانت قناة الجزيرة ذاتها و التي عملت و ضمن منطلق المهنية البحتة على أن توضح ما يجري على الأرض .. فكان أن كسبت حربها (الموضوعية الإعلامية) وكسب المشاهد العربي بالتالي الحقائق التي جعلته يتصالح مع ذاته للحظات معدودات في سبيل أن يستعيد تفكيره بعيداً عن الوهم الذي صنعته وسائل الإعلام طيلة عقود من مراكمة فكرة المسالمة و المهادنة ..‏

*****‏

التفكير بالحرب يشبه في الكثير من جوانبه أن تتخيل نفسك تبتلع ثمرة الصبار دون تقشير, فالحرب كفعل تدميري لا توقف الأثر الذي تحدثه عند الحدود المادية بل إنها وبما تحمله من آلام تدفع بالمعاناة و قسوتها إلى أقصى خلايا العقل و الروح..‏

و الصور التي حملتها كاميرات المراسلين من مواقع الأحداث كانت هي الأشواك التي تعلق بالعقل و الروح و الذاكرة..!‏

و لكن أغلب من علقت به هذه الأشواك و هو يتابع التفاصيل على الشاشات كان يدرك أن ثمن الحرب هذه المرة لن يكون أحادي الجانب ..! و لكن أحداً ما و في مكان ما كان يريد أن يجعل من النصر الإعلامي لفكرة المقاومة هزيمة إنسانية عبر التركيز على الضحايا و لعل مناقشة فكرة ثمن الحرب غلفت الكثير من النقاشات الإعلامية التي دارت على هامش الحدث كان بدوره حدثاً إعلامياً مختلفاً فأنت هنا تدخل في النقاش و لكنك لن تستطيع كإعلامي أن تبقي فعلك مقتصراً على النقاش الذي لا طائل منه سوى العرب المكاسرة العقلية و اللغوية ولعل جل ما تستطيع فعله أن تكتب و أن تمارس الفعالية عبر الوسيلة التي تعمل فيها فإذا ما نجحت في أن تبقى موضوعياً فهذا انتصار يستحق أن تسرده ضمن الانتصارات في الحرب و لعل ما حدث في حرب تموز كان انتصار لفكرة الموضوعية و التي يستطيع أي متابع للحرب أن يفتح وراءها قوساً سيحتوي ضمنه أن الحرب لم تكن حرباً بل كانت اعتداء و أن هذا الاعتداء قد أستدعى المقاومة أن ترد ..‏

هذه الموضوعية في التفكير و التي تغيب عن الكثيرين في حمئة الحدث يستحق أن يعاد النظر فيها بعد هذه الحرب فكما خاطب غالوي المذيعة الأمريكية أرسلت مغنية الروك الأمريكية الشهيرة باتي سميث أغنيتها الجميلة عن قانا إلى كل أنحاء العالم ..هذه الأغنية التي لم تعرضها أي قناة تلفزيونية في العالم تستحق أيضا أن نشملها ضمن قوس الموضوعية المفتوح على آلامنا و آمالنا التي لم تتحرك ذات يوم كما حدث في ذلك الصيف .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية