أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة, لأن المحافظين الجدد أرادوا نشرها لتسويق مخططاتهم العدوانية, وفي الاتجاه الآخر يشترون من يعمل معهم لدحض نظرية وجود نظرية مؤامرة على الشعوب من قبل أميركا والغرب, وخاصة في العالم العربي, لأنهم يريدون تفكيك العالم العربي من الداخل. باختصار نظرية المؤامرة موجودة, وأن أميركا تسوقها في مصلحتها, وتسوق في الاتجاه مايبرر سلوكها كما فعلت بعد الحادي عشر من أيلول. أحد المفكرين الغربيين يسمي نظرية المؤامرة ( هذيان الاضطهاد) الذي ينهض على تصورات منطقية وغير منطقية لتفسير الأحداث, أولتحويل مسارات تفسيرها في ا تجاه مغاير لصرف النظر عن الحقائق الموضوعية التي تعيشها الأمة.
للأسف يحاول اليوم كثير من مثقفي وسياسيي الفضائيات العربية التي تدفع بالدولار, التحول عن نظرية المؤامرة, والابتعاد عن الأسباب التي أدت بالواقع العربي إلى ماهو عليه اليوم من تفكيك وانهيار وتحديات واحتلال وحشي يستعمل كل وسائل القتل والرعب والدمار والوحشية, بخلق أسباب أخرى غير واقعية ومنطقية لصرف النظر في اتجاه آخر, يجعل العدو بريئاً, ويدفعنا إلى رجم أنفسنا بحجارة اليأس حتى الموت المعنوي والنفسي, ربما للانتهاء وإفراغ الساحة للعدو الذي بات يرى بوجودنا في أي شكل كان خطراً يجب التخلص منه وربما لتمرير هذا العدو إلى شرايين حياتنا لتبرئة هذا العدو من كل ما أصابنا ويصيبنا, ومن دمنا النازف في كل مكان من الوطن الواسع, ومن جريمة تقطيع أوصالنا, ورميها على مفارق التاريخ, وفي الحالين ثمة قتل لوجودنا. هل مر التاريخ في هذا الوطن?!
سؤال جاء على لسان جندي أميركي يكره الحرب, كان يقف أمام مدينة بابل, جاء سؤاله بصيغة الاستغراب, لأن أمة انتجت حضارة بابل, لايمكن أن يتلاشى دورها بإرادتها, لابد من وجود قوة متآمرة عليها في غفلة من زمن أدار لها ظهره, ونجحت في التسلل إليها لتحطيم إرادتها.
نظرية المؤامرة في الوطن العربي باتت موضوعاً خلافياً بين المثقفين والسياسيين العرب الذين يطلون عبر الفضائيات العربية التي تدفع بالدولار, بعضهم يقول بنظرية المؤامرة وبعضهم الآخر يدحضها, لعبة مسرحية مضحكة, لتمرير أبعادها غير المرئية إلى الروح العربية, لتكون النتيجة في النهاية أن كل ما أصابنا هومصنع أنفسنا.
يتساءل محمد عابد الجابري (إذا كانت أيدينا مغلولة إلى أعناقنا بألف رباط ورباط من الخارج والداخل, ما الذي نستطيع فعله دفاعاً عن أنفسنا لوهاجمتنا كل أفاعي هذا العالم السامة, هل علينا انتظار موتنا, أم نمارس الصراخ?.1
المحافظون الجدد يقولون اليوم بنظرية المؤامرة, ولكن ليس على العرب, وإنما على أميركا لأنها متحضرة, ولأنها مؤهلة لقيادة العالم في وجه قوى الإرهاب التي ينتجها الفكر العربي والإسلامي, أي العرب والمسلمون..لذا فإن نظرية المؤامرة اليوم ذات حدين, كلاهما موجهان إلى العرب.
نظرية المؤامرة تتسع في الغرب وتنحسر عند العرب..
في الغرب نحن متهمون بمعاداة الحضارة الغربية, ونحاول إعادة حركة التاريخ إلى الوراء بأسلحة الحقد والإرهاب, وفي الداخل نتهم أنفسنا بأننا وراء كل الذي يحدث لنا, وفي الآونة الأخيرة, ثمة دعوات لتحميل الفكر القومي والعروبي مسؤولية كل ما أصاب الأمة.
الأميركيون يتهمون العرب والمسلمين بأحداث أيلول, وقد اتهموا العراق بأنه يستهدف بأسلحته أميركا وأوروبا لذا وجب احتلاله, ويتهمون سورية بأنها تدعم الإرهاب, ويتهمون المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالإرهاب فأطلقت يد إسرائيل عليها, ولكن إسرائيل بالرغم من قوة أسلحة إرهابها فقد فشلت في إخماد المقاومة الفلسطينية, وفي لبنان تعرضت إلى هزيمة أصابت بنيتها السياسية والعسكرية في الصميم.
السؤال عن العدو اليوم في العالم العربي يتحرك في اتجاهات عديدة, بعضها يرتبط بواقعنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وبمؤسساتنا التربوية بدءاً من الأسرة إلى الجامعة وإلى الحياة في مواقع العمل, وقد يكون العدو مختبئاً في تلك الفسوخ السياسية والثقافية التي تفرخ النخب ذات النسج الطائفية والمذهبية والعرقية.. ولكن السؤال: (من أحدث تلك الفسوخ, وصنع نخبها وثقافتها ومنحها المال والسلاح وقوة الإعلام والتأثير في تصديع الواقع العربي?.
يرى الكاتب محمد خليفة (أن الأمة العربية دخلت من موت التاريخ إلى موت الروح) ويشير إلى قول الكاتب اليهودي برنارد لويس) إلغاء دور الدول العربية في تاريخ المنطقة الجديد وجغرافيتها لمصلحة قوى إقليمية في طليعتها إسرائيل).
هل علينا أن نعتقد أن كل ذلك يحدث مصادفة?!.
لا أعتقد ذلك أنه حدث مصادفة, ما أعتقده أن ثمة مشروعاً يتحرك في اتجاه إحداث تخريب منهجي في المنظومة الفكرية السياسية والثقافية والدينية للعرب, أقول الدينية وهذا يشمل المسيحيين والمسلمين ( شيفرة دافنشي, وفيلم إسرائيلي عن المسيح يشكك بنبوة المسيح, وأن له زوجة وإخوة وأولاداً وأن الأثريين الإسرائيليين وجدوا مغارة فيها توابيت جثامين كل أولئك, وثمة حملة إعلامية كبيرة وواسعة على العهد الجديد من الكتاب المقدس بذريعة أن العهد الجديد يعادي السامية, ويحرض على قتل اليهود, ويقول الصهاينة إن مضمون العهد الجديد هو الذي دفع بهتلر لإقامة الهولوكست.
إسرائيل اليوم تقتل الفلسطينيين وتهدم منازلهم وتجتاح مدنهم وتمارس عليهم كل أشكال العنصرية, وتحضر لترانسفير في القدس وغير القدس وتقيم مناورات عسكرية في الجولان المحتل وتحضر لعدوان جديد على لبنان أوعلى سورية لعلها تعيد الماء إلى وجهها المهزوم في لبنان الصيف الماضي, وتهدم باب المغاربة في ظل صمت عربي وإسلامي.
ياترى.. لماذا كل هذا الصمت الثقيل, هل هوالخوف من إسرائيل وأميركا.
من هو عدو العرب في الزمن الأميركي- الإسرائيلي?! ألسنا اليوم في الزمن الأميركي?! لنتخطى عتبة السؤال نحو التحديد: أي نحو من يستهدف العرب في وجودهم وحضارتهم ومستقبلهم ا لسياسي والثقافي ويمتلك مشروعاً توسعياً لاحتلال أرضهم وله تاريخ طويل في سفك دمائهم واستباحة ممتلكاتهم?!.