في زيارته للجزائر التي استغرقت ست ساعات,دافع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, , عن رفضه الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار. وقال إنه ينبغي للزعماء التركيز على المستقبل, والتوقف عن تعذيب أنفسهم.وجدد ساركوزي التأكيد على موقف تتمسك به فرنسا منذ فترة طويلة. وقال لصحيفتي الوطن والخبر الجزائريتين : الأجيال الناشئة على ضفتي المتوسّط تتطلع إلى المستقبل, أكثر مما تنظر إلى الماضي وهي تريد أمورا ملموسة. وأضاف إنها لا تنتظر من قادتها التخلي عن جميع مهامهم, من أجل تعذيب أنفسهم والاسترسال في الندم على الأخطاء أو الذنوب الماضية لأنه.. والحالة هذه ..سيكون الانشغال كبيرا.
الموضوع الرئيس الذي ناقشه ساركوزي مع الرئيسين الجزائري عبد العزيز بوتفليقة, و التونسي زين العابدين بن علي , هو مشروع إنشاء اتحاد متوسطي: أي منظومة حضارية وسياسية واقتصادية و أمنية و ثقافية تجمع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط شماله وجنوبه .
وقد أكد قادة دول المغرب العربي للرئيس الفرنسي , التزامهم بالتعاون مع فرنسا لإنشاءاتحاد متوسطي جديد, يكون فضاء للسلام و التعاون و التنمية .إذ يعتزم الرئيس ساركوزي و على غرار عملية بناء الاتحاد الأوروبي , اندماج لضفتي المتوسط بوساطة الاقتصاد.. فالحلم عظيم و عبارة الحلم أطلقها ساركوزي ذاته في فبراير الماضي في خطابه بمدينة طولون الفرنسية و في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 مايو. وهو مشروع مستوحى في قسم كبير منه من المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لتأسيس هذا الاتحاد و الظروف الدولية المحيطة بالمشروع الطموح. و من أبرز المراجع التقرير الذي أعدته بطلب من الرئيس ساركوزي كوكبة من الدبلوماسيين و المنظرين و المفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان ( تقرير ابن سينا ) على اسم الفيلسوف الطبيب المسلم. و التقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الاصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده.
و كان الرئيس ساركوزي الذي استخلص الدروس من إخفاق برنامج إيروميد- الذي كان يشتمل على كل بلدان الاتحاد الأوروبي و حوض البحر المتوسط -يقترح تعزيز التعاون بين أوروبا الجنوبية و بلدان المغرب العربي. وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي لا نزال في مرحلة تمهيدية وليس لدينا مشروع جاهز بكل تفاصيله. واوضح المصدر ان تقييمنا هو ان التعاون في المنطقة يراوح مكانه في حين ثمة مجالات يمكن ان تتعاون فيها الدول في مجموعات صغيرة لا سيما في مجال الطاقة والبيئة والهجرة ومكافحة الارهاب. وتتمثل الفكرة في انشاء تضامن ملموس على ان يتم وضع الانظمة لاحقا كما تم بناء الاتحاد الاوروبي.
المشروع يقوم على إنشاء إلى جانب الأوروميد - برنامج للتعاون بين الاتحاد الأوروبي مع بلدان حوض المتوسط و الشرق الأدنى, أطلق منذ عشر سنوات لكنه جمد بسبب الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني -لتأسيس شراكة تقوم على معادلة 5+5: خمس بلدان من جنوب الاتحاد الأوروبي(إسبانيا, فرنسا, إيطاليا, اليونان , البرتغال)تتعاون مباشرة مع خمس بلدان من جنوب المتوسط: الجزائر, تونس, المغرب,ليبيا ومصر.
وتقوم فكرة المشروع على البناء التدريجي لهذا الاتحاد المتوسطي الجديد من خلال القمم المنتظمة , ثم عبر المؤسسات المقلّدة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بدايات تشكله في خمسينيات القرن الماضي , إذ إن المقاربة ستكون اقتصادية في جوهرها. و الحق يقال, أن الفكرة ليست جديدة,فالقمة 5+5 , عقدت في تونس في ديسمبر 2003, و هناك عدة اجتماعات مشابهة ضمت وزراءالمالية أو الدفاع , عقدت خلال العشر سنوات الماضية.و كان واقع الإخفاق لأوروميد, عقب الذكرى العاشرة لاتفاق الشراكة الأورو- متوسطية في برشلونة في نوفمبر 2005 , قد حث على الإسراع ببلورة هذا المشروع الجديد.
الدعاة المتحمسون للمشروع الجديد , يريدون أن يستفيدوا من النموالاقتصادي الهائل الذي تشهده منطقة المغرب العربي,منذ عدة سنوات, إما بفضل تزايد المداخيل المتأتية من الريع النفطي, أو بسبب انتقال خطوط الإنتاج الصناعية من البلدان الأوروبية باتجاه البلدان المغاربية, المغرب العربي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحقيق التكامل الاقتصادي بين بلدانه ,في وقت تزيد فيه باقي التكتلات الاقتصادية في العالم من وحدتها واندماجها.
ويرى الخبراء أن الواقع الاقليمي الجديد في ظل توسع الاتحاد الاوروبي وتاثيره علي مصالح دول المنطقة ومستقبل علاقاتها كدول شريكة يشكل حافزا للاسراع في تفعيل العمل المغاربي المشترك باتجاه اكساب مواقف بلدان المغرب تجانسا وتوافقا مع ما هو مطروح عليها من شراكات.