تكفلت الأندية السينمائية بدور مهم في تكريس الوعي بالسينما وقيمها الفنية ودورها في الحياة من خلال تواصلها المستمر مع شرائح المجتمع بحيث غدت المرجع الأول لالتقاء المهتمين وعشاق الفن السابع.
انتشرت الأندية السينمائية في عدد من المحافظات السورية ولعبت دوراً قيماً في تنمية التذوق الفني ونشر الوعي السينمائي ومساعدة المشاهد على قراءة الأفلام بطريقة صحيحة عبر إقامة جسور مع كافة شرائح المجتمع وازدهرت تلك الأندية في فترة السبعينات وحتى منتصف الثمانينات لكنها أخذت تخبو رويداً رويداً إلى أن انطفأت شعلتها.. وبإرادة شابة تحاول بعض تلك الأندية الانبعاث من بين رماد الانطفاء وإيقاد الشعلة مجدداً وحمل رسالة ثقافية علّ ما انقطع يتصل خاصة ونحن نعيش عصر الثقافة البصرية بكل أبعاده.
في حمص عقد اجتماع مؤخراً لاختيار مجلس إدارة جديد للنادي السينمائي وكان معظم أعضائه من الشباب المثقف الواعي لدور السينما في الحياة الثقافية في المدينة.
الثورة التقت الأديب سلام اليماني أحد مؤسسي النادي والأستاذ هيثم معماري رئيس مجلس إدارته السابق وكان هذا الحصاد:
لماذا تراجعنا..?
حين كان عدد سكان حمص عام 1961 لا يتجاوز 150 ألف نسمة انتشرت في المدينة أكثر من 20 صالة سينما أما الآن فلن تجدين سوى صالتين أو ثلاث وهذا الأمر ينسحب على بقية المحافظات.
بمبادرة من بعض المثقفين والفنانين والمهتمين بالموسيقا والفنون الجميلة وقد أسهم الفنان المرحوم سمير ضاهر ومصطفى البستنجي -أطال الله عمره- والفنان بسام جبيلي واخرون في نجاح النادي.
كان الإقلاع الحقيقي في سينما الأمير (سابقاً) عام 1974 وقد تأسس النادي كجمعية ثقافية وفقاً لأنظمة الشؤون الاجتماعية والعمل والتزم بنظامه الداخلي رغم أنه نظام جمعيات خيرية إلا أنه كان جمعية ثقافية رائدة في المدينة بحيث بلغ عدد المنتسبين إليه والحاضرين فعلياً لنشاطاته وعروضه نحو 700 عضو في السنوات الأولى من عمر النادي, اعتمدنا في البدايات على كافة مصادر الأفلام في سورية وعلى رأسها المؤسسة العامة للسينما والمراكز الثقافية التابعة للسفارات (البولوني - الروسي - التشيكي - الفرنسي والألماني وغيرها) وأحياناً عن طريق بعض الوساطات الثقافية عبر استضافة مهرجانات أفلام لمؤسسات لا تمثيل لها في دمشق ومنها مهرجان أفلام انكليزية وسويدية.. وقد امتاز نشاط النادي بغنى الأفلام وتنوعها ومستواها الفني العالي والحضور الكثيف والمناقشات التي كونت جمهور النادي وهو نخبة من أهل حمص.
انحسار المد الثقافي
يمكن القول بأن المد الثقافي في سورية ازدهر منذ السبعينات وحتى منتصف الثمانينات حيث الوصول إلى مرحلة الركود التي ترافقت فعلياً مع الركود التدريجي للحركة السينمائية العالمية مع انهيار الرافعة الأساسية لها ألا وهي سينما الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية فتقلص عدد الأفلام وتراجعت النوعية في بلد المنشأ وبلدان التأثر -بلاد الطيف- وهي أوروبا الغربية وأميركا وانعكس ذلك على أنشطة الأندية السينمائية العالمية ومنها الأندية العربية والسورية إذ باتت تعاني من شح مصادر الأفلام والذي ترافق بانكفاء المد الجماهيري نحو الثقافة عموماً فبدأ الركود يدب في حركة المسرح الهاوي وارتياد صالات السينما والفنون الجميلة وبلغ ذروته أواخر الثمانينات.
بداية أزمة السينما عالمياً
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت في أوروبا موجتان سينمائيتان عظيمتان هما: الواقعية الإيطالية والفرنسية التي سميت بالموجة الجديدة وقد أنتج رواد الموجتين مجموعة من الأفلام ذات الطابع الأوروبي وكانت المؤسسة العامة للسينما في سورية رائدة في استيراد كم هائل من تلك الأفلام وقد عرضت في الأندية السينمائية السورية بعد ذلك بدأ الإنتاج السينمائي الأوروبي بالتراجع لصالح الإنتاج الأميركي الذي راح يغزو أوروبا ومعظم تلك الأفلام لا تصلح للعرض الثقافي ومن هنا بدأت أزمة الأندية في القطر عموماً وكان نادي حمص السينمائي آخر ناد يتوقف نشاطه!.
عوامل النجاح والتراجع
ارتبط نجاح النادي السينمائي في حمص بتوفر ثلاثة عوامل هي: وفرة الأفلام الجديدة الجيدة, وجود صالات عرض جيدة مؤهلة, وجمهور متعطش للسينما, وتجلت بداية الأزمة مع إغلاق صالة الكندي فانتقل نشاط النادي إلى قاعة سامي الدروبي في المركز الثقافي وزاد على ذلك أزمة الكهرباء وتكرار انقطاع التيار على مدى 3 سنوات وشملت محافظات القطر كافة. وبعد توقف صالة الكندي والتي طال أمد تأهيلها لسنوات تركزت نشاطات حمص المختلفة في قاعة سامي الدروبي ما اضطر إدارة النادي إلى تعديل عروضه من يوم الأربعاء إلى يوم الخميس ثم إلى يوم الجمعة هذا إلى جانب آلة العرض القديمة وإفلاس المؤسسة العامة للسينما من الأفلام الجديدة, كل ذلك أدى إلى إحباط الجمهور وابتعاده ليس عن النادي فقط بل عن كل الأنشطة الثقافية في المدينة.
صحوة جديدة
لمسنا حالياً حماساً لدى بعض الشباب لإعادة الحياة والألق لنادي السينما فأجرينا اتصالات بصالة الكندي حيث وافقت إدارتها على استضافة عروضه السينمائية الشهرية بسعر مخفض -50% من قيمة البطاقة- وبعد أن تراكم لدى المؤسسة العامة للسينما خلال السنوات العشر الماضية عدد من الأفلام الجيدة يمكن رفد النادي بها لسنة أو لسنتين وبعروض شهرية, إنها محاولة لخلق طقس سينمائي عائلي لجمهور حمص وإدارة النادي الجديدة لن تعمل من فراغ فماضي النادي عظيم, إن الثقافة الآن تقوم وفي أنحاء العالم على مثل هؤلاء الاستشهاديين الذين يعملون ضد تيار العولمة المادية المبتذل المروج لتيارات العنف والأصولية وهذه كلها ضد الإنسانية والفنون ومثل هؤلاء الناس موجودون دائماً في البشرية ونسميهم ملح الأرض, هم قلة لكنهم لا يعرفون اليأس صامدون إلى أن ينقلب التيار ويعود إلى مجراه الصحيح وما من شيء يدعو لليأس والبكاء على الماضي فالأمل يجب أن يتقد والمستقبل آت دوماً..
suzani@scs-net.org