تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رذاذ...بين الاقتصادي والاجتماعي..

اقتصاديات
الأحد 15/7/2007
د. مطانيوس حبيب

إن الأخذ باقتصاد السوق الاجتماعي يقتضي بالضرورة الطلاق مع تقسيم الاقتصاد الوطني إلى قطاع عام وقطاع خاص . فالاقتصاد الوطني هو كل الفعاليات الاقتصادية التي تسهم في توليد الناتج بصرف النظر عن طابع الملكية.

فالتركيز يجب أن يكون على فعالية النشاط الاقتصادي ولهذا يكون التكامل بين القطاعين مطلوبا بما لا يلغي التنافس بينهما ومسؤولية الدولة في تقديم المساعدة والدعم للمؤسسات الاقتصادية تكون على سوية واحدة بصرف النظر عن طبيعة ملكيتها.‏

إن اقتصاد السوق الاجتماعي هو اقتصاد المبادرات الخاصة المدعومة من الدولة.‏

فالدولة نتيجة عقد اجتماعي بين كل مواطنيها بصرف النظر عن موالاتهم أو معارضتهم تدير الشؤون العامة لتحقيق المصلحة العامة وقطاع الأعمال الخاص جزء من الاقتصاد الوطني وكل ما يدعم نموه يقود إلى تحقيق نمو الاقتصاد الوطني,من هنا يجب أن يحظى القطاع الخاص برعاية الدولة ودعمها.‏

> قطاع الأعمال الخاص في اقتصاد السوق الاجتماعي يتمتع بالحرية التامة في الاستثمار شريطة التزامه بأحكام القوانين النافذة أي أن يمارس العمل المشروع وليس الأعمال غير النظامية.‏

>الحكومة تعمل على سد ثغرات السوق بالتدخل غير المباشر والمباشر عند الضرورة من أجل دعم عملية التنمية وضمان استمراريتها. تتدخل الدولة مباشرة عند عجز القطاع الخاص أو عدم إقدامه بمبادراته الخاصة عن توفير شروط تحقيق التوازن الاقتصادي.‏

>وتتدخل الحكومة في عمل السوق لتأمين التوازن الاجتماعي بإعادة توزيع الدخل بما يوفر استمرار النمو وكذلك بتمكين الضعفاء اقتصاديا من الانتفاع بالخدمات حسب قدراتهم المالية سواء بدعم أسعار هذه الخدمات أو بتوفير دخل كاف له للوفاء بدفع أثمانها.‏

>في اقتصاد السوق الاجتماعي يتحمل القطاع الخاص نصيبه في الأعباء الاجتماعية بطريق تمويل الموازنة بالضرائب وتشكل الضرائب على القطاعين العام والخاص المصدر الغالب في تمويل موازنة الدولة أما الموارد الطبيعية فهي ثروة مجتمعة ملكية للأجيال الحالية والمستقبلية تستثمر على أحسن وجه لتأمين النمو المستدام ولا تستنضب لتمويل إنفاق جيل واحد على حساب الأجيال الأخرى .في دول الرفاه الاقتصادي يبلغ نصيب حصيلة الضرائب أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي لتغطية نفقات شبكات الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم للضعفاء اجتماعيا .‏

> اقتصاد السوق الاجتماعي أساس لعقد اجتماعي جديد يقوم على قاعدة الغرم بالغنم فلا القطاع الخاص معفى من التزامه الاجتماعية ولا الحكومة معفاة من التزاماتها التنموية ومسؤولياتها الاجتماعية .‏

>اقتصاد السوق الاجتماعي شكل من أشكال اقتصاد السوق يؤسس لعقد اجتماعي جديد تكون فيه العلاقة علاقة تعاون وليست علاقة صراع طبقي عقد تكافل اقتصادي اجتماعي وطني العلاقة فيه هي علاقة المواطنة بين أفراده في الإطار الذي ينظمه القانون.‏

من المهم جدا ألا نعارض الاجتماعي بالاقتصادي فقد أكدت تجربة الدول المتقدمة أن جميع البلدان التي غلبت الاجتماعي على الاقتصادي فشلت في حل المسألتين معا فلا هي حلت المسألة الاجتماعية فرفعت من مستوى معيشة سكانها وخاصة المهمشين اجتماعيا ولا هي حققت نموا اقتصاديا كافيا للتخلص من التخلف الاقتصادي الاجتماعي ( الاقتصادات الاشتراكية السابقة دليل واضح على ذلك). نحن في سورية في العقود الأربعة الأخيرة غلبنا الجانب الاجتماعي على الجانب الاقتصادي قبل أن نرسي قواعد النمو الاقتصادي فكدنا نخسر المعركتين معا.‏

الآن المطلوب منا جعل الاقتصادي في خدمة التطور الاجتماعي لدعم عملية النمو وتلافي الوصول إلى مرحلة توقفه ( وصلنا أو كدنا نصل تلك الحال قبل عام 2005) وكذلك مطلوب منا توجيه الإنفاق الاجتماعي لخدمة أغراض النمو الاقتصادي في ظل الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي, لم يعد ممكنا إعفاء قطاع الأعمال من التزاماته الاجتماعية حتى لا تتكرر عملية توقف النمو ثانية . مادام أصحاب الأعمال شركاء في الوطن يجب أن يكونوا شركاء في التنمية أيضا وبالتالي عليهم أن يتحملوا قسطا من الالتزامات الاجتماعية في حدود طاقتهم.‏

والخلاصة ,إن اقتصاد السوق الاجتماعي يؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على قاعدة الغرم بالغنم فلا يجوز أن يربح طرف ويخسر الآخر بل يجب إيجاد الصيغة التي يتم فيها تقاسم المكاسب التي ستتحصل من السير نحو اقتصاد السوق الاجتماعي ليكون هذا النظام اقتصاديا واجتماعيا في ذات الوقت في مصلحة قطاع الأعمال والعمال في مصلحة المنتجين والمستهلكين .إن تجربة الدول الصناعية المتقدمة التي اختارت طريقا مشابها لاقتصاد السوق الاجتماعي( المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.السويد,اليابان,الدول الأوروبية التي حكمتها الأحزاب الاشتراكية ومؤخرا الصين الخ..) وعلى تنوع السياسات التي اتبعتها في إطار اقتصاد السوق الاجتماعي تزودنا بتجارب غنية يمكن الاستفادة منها من دون تقليدها.‏

إن الحرية التي سوف يحصل عليها قطاع الأعمال يجب أن تكون حرية التنافس في إنتاج الأفضل والأقل تكلفة فيستفيد منه صاحب العمل والمستهلك وكذلك الاقتصاد الوطني بدعم قدرتنا التنافسية على التصدير . لم يعد ممكنا الاعتماد على صادراتنا من النفط لسد عجوزات التجارة في كل القطاعات والأنشطة الأخرى . لبناء اقتصاد تنافسي يجب أن تعمل الدولة ما في وسعها لتوفير الديمقراطية الاقتصادية ومنع حدوث الاحتكار في أي من الأنشطة الاقتصادية بصرف النظر عن طابع الملكية. والديمقراطية الاقتصادية ستكون أيضا مقدمة ورديفا للتوسع في الديمقراطية السياسية.‏

إذا علينا أن نفكر في عقد اجتماعي جديد بالصيغة التي ذكرت سابقا إذا كنا فعلا نريد بناء اقتصاد سوق اجتماعي وإلا سيبقى هذا مجرد شعار كغيره من الشعارات التي استنفذت أغراضها من دون أن تحقق أهدافها.‏

وبالطبع سوف يحدث تغيير مناسب في طبيعة عمل النقابات والمنظمات بما في ذلك اتحاد نقابات العمال ومنظمات أصحاب العمل والنقابات المهنية لتتحول إلى منظمات فاعلة في الدفاع عن مصالح منتسبيها تسعى إلى تحقيق التوازن الاجتماعي بما يتناسب وآلية عمل اقتصاد السوق الاجتماعي.‏

*وزير سابق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية