تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما تعرف أين تضع قدمك .. هل تتعبك الخطوات؟

مجتمع
الثلاثاء 20-11-2012
غانم محمد

كان كل شيء يوحي أن المطر سيهطل بعد قليل ومع هذا حمل «التنكة» والأكياس فاليوم يوم جمعة وسيستغل عطلة الأولاد لمساعدته في قطاف الزيتون فسألته أليس من الأفضل أن تتروّى قليلاً قبل أن تتجه إلى كرم الزيتون والمطر على وشك الهطول

فابتسم مستغرباً منّي هذا السؤال وقال: إن لم نبتلّ في قطاف الزيتون يفقد هذا الموسم الكثير من رونقه، فقد اعتدنا أن يشاركنا المطر في جني المحصول ونتفاءل أكثر عندما يهطل المطر ونحن على شجرة الزيتون!‏

في الحقول تتصاعد الأغاني ممن صقلت السنين صوتهن، وتعلن تلك السيدة المسنّة تعاطفها مع أغصان الزيتون فتذكّر بين الحين والآخر أنه لا يجوز ضرب هذه الأغصان بالعصي فهذا حرام ويضرّ بالأغصان، وتصرّ على تنقية حبات الزيتون من كل ورقة تخالطها وعندما تحاول أن تقنعها أن المعاصر الحديثة بإمكانها تنقية هذه الأوراق تقول لك: حتى تأكل زيتاً طيباً فعليكَ أن ترسل للمعصرة زيتوناً نظيفاً من الشوائب..‏

حان وقت الغداء إنها الثانية عشرة ظهراً، الزوادة معلّقة على الشجرة حتى لا يصل إليها النمل، الطعام في الطبيعة لذيذ وشهي جداً ومن اعتاد أن يكتفي بنصف رغيف سيأكل رغيفين هنا مع أن الزاد قد يقتصر على البيض المسلوق والبندورة، وما أن يقترب وقت الغروب حتى تبدأ رحلة العودة المطرزة بحكايا الإنتاج اليومي عن الكمية التي تمّ قطافها مع الدعاء أن يكون مردود الزيت وفيراً..‏

مساء، هذه السيدة الطيبة دعت «كنّاتها وسلايفها» وقد فردت كل ما تمّ قطافه من الزيتون، فهذه «تنقّي الأخضر» وتلك تأخذ ما تيسر من الزيتون الأسود والكرم يحضر تماماً كما كرم شجرة الزيتون، فمن المعيب أن يشتري قريب لنا مؤونته من زيتون المائدة ونحن لدينا هذا الزيتون، هكذا قالت هذه السيدة...‏

هذه التفاصيل تحضر كل سنة ومع الجميع وقد أصبحت من تقاليد قطاف الزيتون، وكثيرون ممن نسألهم وهم عائدون من الحقل للتو فيقولون: قطاف الزيتون قد يكون العمل الوحيد الذي لا يُتعب ولا يقود للملل مهما طال أمده، وهو أقرب للمهرجان المقام في عدة حقول متجاورة لكن تفاصيل المهرجان تكاد تكون واحدة.‏

إن شاء الله ستدوم مواسم سورية الخيّرة، فالمطر ما زال يزورنا في مواعيده وما زلنا نحتفل بقدومه كلّ مرة، وتراب سورية ما زال قادراً على التجدد ومدّ كلّ من يعيش فيه أو عليه بأسباب الحياة، ولا تستطيع الأخبار المسبقة الصنع أن تجعلنا نجلس في بيوتنا ونترك مواسمنا للدخلاء.‏

نعرف أين نضع أقدامنا ولا نخشى على أقدامنا من الزلل، نعرف أين نعصر خيراتنا وكيف نعتّقها وكيف نرمم زيتون حقولنا وكيف نردّ له التحية.‏

موسم مبارك إن شاء الله، وكل عام والجميع بألف خير، وما هي إلا أيام قليلة وتكون هذه الحقول جاهزة لبذر القمح فيها بعد أن نكون قد قلّمنا أشجار الزيتون ووضعنا الزيت في برميل «المونة».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية