من أي طريق تريد عبوره لتصل إلى محيطها...
من أي ذاكرة تريد أن تتخيلها..
من أي زاوية تريد أن تشاهدها..
من أي حرف تريد أن تقرأ اسمها..
هي قلعة وعاصمة ومدينة وتراث..
هي حديقة وسهل وجبل..
هي موج ورياح وبحر..
هي رمل وتبر وتراب..
هي بيت وقصيدة وأغنية..
هي مأوى وسفرة مفتوحة..
لكل جائع ومحتاج وعابر سبيل..
هي راحة البال وواحة الأمان..
هي بلسم الجراح ومصنع الاستقرار..
كانت ومازالت وستبقى رغم كل هذا الألم..
الفوار بحروفها الخمسة حجر الصوان
الذي لا ينكسر.. والمعدن الذي لا يصدأ..
سمعت التاريخ يحاكي نفسه يراسل حضارته
يحدث أخواته من السنين الغابرات
عن بطولات الحروف الخمسة عن أمجادها
وبسالة أبنائها مذ خلق الله البشر على هذه الأرض
التي ما عرفت يوماً إلا الكرامة وعشق الحياة فيما المعتدي الآثم من كل الأقوام والأجناس لم يذكره التاريخ بكل فصوله إلا بقصص الخيانة وعصبية الجهل وأدوات القتل في عقول الغازين وأيديهم هم ومن يسير في فلكهم ودهاليز فكرهم وخداعهم وخيانتهم.
أنا التاريخ أعتذر من حضارتك سورية.. أعتذر من قامتك العالية.. من شموخك.. من ألمك.. من وجعك... من دموع ثكلاك.. من انكسار قلوب أطفالك لكنك ما كنت يوماً إلا صاحية ومسرعة كما انبلاج الفجر لا ستقبال شروق الشمس.
سورية العاصمة الأولى لبني البشر.. الشرفة الأوحد لمواطن الجمال.. البساط الفريد التي عبره الأقدمون من أهل العلم والمعرفة على امتداد خارطة جغرافية العالم.. سورية المتحف الفريد في الهواء الطلق ببعديه الحضاري والإنساني أرض سورية التي أنبتت أولى بذار حبات القمح وثمار الأشجار وحقول الخضرة.. اسألوا القوافل الغابرة واللاحقة من أقصى الشرق إلى الغرب ومن أقصى الشمال إلى الجنوب.
اسألوا الحجر والشجر واللحن والبشر ما سر بقاء هذه الأرض وأهلها أعزاء كرماء.. لما هذه الهجمة الشرسة عليها اليوم.. لما هي مستهدفة كل هذا الاستهداف؟
هل هو حسد لعمرها الطويل الممتد لآلاف السنين هل لأنها أصل الانسان والزمان والمكان هل لأنها الوحيدة في هذا الكون التي تقول لا للظلم لا للعدوان لا للفكر الامبريالي والرأسمالي المتوحش لا للفكر الارهابي التكفيري المتطرف والمتعصب القائم على الاقصاء والإلغاء فهو مشحون بالظلام والظلمة بالخذلان والخداع والنكران، فهذه الشرذمة من أبناء البشر أكانوا دولاً أم حكومات أم أفراد ما هم إلا هياكل وأشباه للشياطين يعيثون فساداً ويزدادون فجوراً ويملؤون تحت جلودهم ذنوباً فتنضج جلودهم كفراً وعهراً ونفاقاً.. يترنحون على المنابر، يعربدون يثرثرون.. يتوعدون، يتقاتلون.. يتشاحنون.. يشبهون كل شيء إلا سحنات البشر.. فهم ينتمون إلى فصائل مختلفة ومخالفة لطبيعة البشر، فمن يقتل ويتلذذ بلحم أخيه وأبيه ويقطع عظم صديقه وزميله ويصفي دم جاره وابن حارته ويساهم بتخريب مقدرات ومكونات بلده وينسف جسور وبنى وطنه ومجتمعه هو بالتأكيد لا ينتمي إلى طبائع البشر فما شهدته سورية الأبية العربية وشعبها الذي لا يوازيه شعب في هذا العالم من نظريات التخريب وحقول التجريب وفنون التفخيخ والتلغيم واستغلال الأطفال والنساء والشيوخ العزل كدروع بشرية مشاهد يندى لها الجبين وتدمى لها القلوب.
هي سلسلة في حلقات دعاة الاجرام.. لكنها لن تدوم طويلاً رغم كثرة عددهم وحجم عدتهم والتائهين في فلكهم ممن يدعون القرابة والأخوة والصداقة فكل هؤلاء وعبر مئات السنين قد جروا ذيول خيباتهم وانكساراتهم وفقدان أحلامهم وآمالهم وأيقنوا بصغيرهم وكبيرهم بشيخهم وأميرهم بسيدهم وحاكمهم بمتزعمهم وآمرهم بدولارهم ودينارهم أن لا أحد في هذا الكون يستطيع أن يراهن على بلد هو أصل البلدان أو يطمس هوية هي أصل الوجود أو يغيب حقيقة الروح والجسد التي تنشر الدفء والأمان حيث يحلو الأمن والسلام وتسكن العاطفة القلوب تجاور نور العقل وتتبصر به.
وللمرة الألف والمليون نقول هذه سورية احذروا غضبها ولا تراهنوا على غبائكم أكثر من ذلك.