وترحالي بين القنوات والمحطات الفضائية، أراهم يتحدثون باستمرار عن منشطات ومقويات لحفظ المعلومات والذكريات من ولوج مدن الضياع، فتارة أجدهم ينصحوننا بتناول الجوز والزبيب وتارة أخرى يحثوننا على شرب عصير الجزر وممارسة التمرينات الرياضية ! فأي شبح للنسيان يسكنهم وأي خوف يعتريهم من نعمة اسمها نعمة النسيـــــان؟!
كتاب نسيان كوم
أحبيه كما لم تحب امرأة وانسيه كما ينسى الرجال، إحدى تلك العبارات التي ركزت عليها الكاتبة أحلام مستغانمي في كتابها "نسيان كوم"وهو كتاب يتصدر أكثر الكتب مبيعاً ورواجاً في الوطن العربي، والذي برعت فيه الكاتبة أحلام بالحديث عن طرق شتى للنسيان وتغنت وتفننت في شرحها عن تلك النعمة التي تفتقر إليها الكثير من النساء، بحكم عواطفهن التي تتغلب على المحاكمة العقلية في كثير من أمور الحياة.
ألا يمكن أن يكون في النسيان فرصة ليس فقط لقلب صفحة الماضي والاستعداد للبدء من جديد، بل لتمزيق تلك الصفحة التي عكرت صفو أيامنا، ولحذف الذكريات التي تطرق أبوابنا كلما هممنا بالنوم وولوج عوالم الأحلام السعيدة؟
فالأم التي فقدت وليدها، والصديقة التي وجهت لنا كلمات ونظرات أكثر فتكاً من حد السيف، والقريب الذي تخلى عنا يوماً عندما أثقلتنا هموم الحياة والمواقف الصعبة والمشاهد المؤلمة التي قد تلتقطها عدسة العين والقلب أثناء تجولنا في شوارع الحياة جميعها بحاجة إلى النسيان، فبالنسيان وحده سنبقى محتفظين بتلك الابتسامة الناصعة صباح كل يوم، وبفضل تلك النعمة التي يجحدها البعض سنواصل تفاؤلنا وأملنا بغد أفضل ويوم مشرق آخر في معترك الحياة.
فلا يمكن لشيء أن يجعلنا أكثر تسامحا مع الأيام ويحثنا على المضي قدما إلا إذا انتقينا ما يروقنا من خبرات وتجارب وأحداث.
حتى في أزمتنا هذه وفي مواجهتنا لتلك المؤامرة اللعينة التي تعرضنا لها من دول معادية وأخرى صديقة، لابد أنهم اعتمدوا على نعمة النسيان، فنسوا مواقف سورية المشرفة وحذفوا من ذاكرتهم كل ما قدمناه من مساعدة وحب ووفاء، فنراهم أصيبوا بداء النسيان ليستطيعوا أن يكشروا عن أنياب الشر ويحققوا ما يطمحون له من مآرب وأهداف خسيسة ورخيصة على أرض العزة والإباء.
فنرى هنا كيف دخل النسيان عالم السياسة من أوسع الأبواب ولنستطيع نحن أيضاً أن نوطد علاقتنا من جديد مع الدول الصديقة بعد تجاوز أزمتنا هذه –بإذن الله- سنكون بأمس الحاجة لنعمة النسيان!
لذا لم لا تتسمر عيوننا على نصف الكأس الملآن؟ إنها نعمة أمطرنا الله بها لتسقي قلوبنا التي أتعبها مشوار الحياة، فلنستثمرها بل ونبحث عن طرق جديدة للمحافظة عليها واستحضارها باستمرار، فكلنا بحاجة ماسة إلى عملية تحديث للذاكرة بشكل دوري ليتسنى لنا اقتناء ذكريات جميلة وعذبة قد تهبها لنا الأيام.