يشكل عدواناً سافراً على القانون الدولي من جهة وعلى قضية الشعب الفلسطيني العادلة من جهة ثانية، كما يترجم نيات أميركية خبيثة لتمكين الكيان الإرهابي الغاشم من استكمال كيانه العنصري على حساب أصحاب الأرض والحقوق، وبذلك قدمت الإدارة الأميركية الحالية نفسها عدواً مكتمل المواصفات للأمة العربية جمعاء وللشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، سواء أنكر بعض المطبعين الأذلاء أم تجاهل البعض الآخر خطورة ما قام به ترامب وحاول الترويج لأفكاره المجنونة.
فما جرى قد ينقل المنطقة إلى مرحلة من العنف والصدام والمواجهة، قد تنعكس على مستقبلها ومصير أجيالها لمئة عام، تماماً كحال التداعيات السلبية التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم قبل أكثر من مئة عام، حيث كان وما يزال هذا الوعد ــ الذي أعطته جهة لا تملك إلى جهة لا تستحق ــ سبباً مباشراً لتفتيت وتجزئة الوطن العربي وإضعافه كنتيجة لزرع هذا الكيان الإجرامي العدواني الغاصب في قلبه دون أي استبصار بالنتائج المترتبة على ذلك.
الجميع يدرك بأن ما صدر عن ترامب بالأمس القريب بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني عموماً، هو محاولة جديدة لإنقاذ «صديقه وحليفه» رئيس حكومة العدو الصهيوني المأزوم بنيامين نتنياهو من ورطة فقدان شرعيته داخلياً بسبب تهم الفساد المنسوبة إليه وعجزه عن تشكيل حكومة جديدة تواصل تنفيذ المشروع الاستيطاني الترانسفيري «الهولوكستي» بحق أبناء الشعب الفلسطيني الساعي لتحرير أرضه وتحصيل حقوقه المشروعة، حيث يأمل ترامب المأزوم بسبب حماقاته الداخلية والخارجية وسياسته الهوجاء الخارقة للقانون الدولي والأعراف الإنسانية، أن يقوم اللوبي الصهيوني الداعم لنتنياهو وكيانه الغاصب المحتل برد الدين أو «الجميل» عبر التجديد له لأربع سنوات قادمة في البيت الأبيض خلال انتخابات تشرين الثاني القادمة، وذلك من أجل استكمال تنفيذ بنود الصفقة الأميركية المشؤومة.
ولعلّ البعض يتساءل اليوم ما الذي دفع ترامب في هذا التوقيت بالذات لارتكاب هذه الحماقة الجديدة، وخاصة أنها قد تتسبب بإشعال فتيل التوتر والتصعيد والمواجهة في المنطقة، ولا سيما أن المنطقة تشبه في حالتها الراهنة برميلاً من البارود القابل للانفجار في أي لحظة، غير أن التمعن ببعض الأحداث التي جرت في المنطقة مؤخراً يعطي تفسيراً أو تبريراً لهذا السلوك الأميركي الشائن، فالأميركيون باتوا متأكدين تمام التأكد أنهم سيخرجون من المنطقة عاجلاً أم آجلاً بسبب الحماقات التي ارتكبها ترامب، سواء في سورية والعراق أم في لبنان وفلسطين واليمن وليبيا..وكذلك مع إيران بعد جريمة اغتيال الجنرال الشهيد قاسم سليماني، حيث باتت الولايات المتحدة التي تعتبر مصدر تهديد حقيقي لمصالح المنطقة ولسلمها ومستقبل دولها، مكروهة جداً من قبل شعوبها بسبب سياسات العدوان المباشر التي يتبعها البيت الأبيض حالياً.
وكذلك إجراءات الحصار الاقتصادي الظالم الذي يسهم في تجويع الشعوب وتكبيل أيدي الحكومات الوطنية كما يحدث الآن في سورية وإيران واليمن «وثمة تهديدات للحكومة العراقية بعقوبات اقتصادية شديدة إذا أقدمت على إلغاء الاتفاقات الأمنية الموقعة مع واشنطن زمن الاحتلال»، وهذا يعني انعدام أي فرصة للتفاهم أو التعايش مع السياسة الأميركية الحالية، وكذلك مع الأدوار التخريبية المناطة بوكلاء واشنطن من جماعات إرهابية مسلحة، ودويلات ومحميات خليجية يُسند إليها بعض الأدوار الوظيفية التي تخدم المشروع الصهيوأميركي، ما يعني الوصول إلى طريق مسدود لا يمكن فتحه إلا من خلال حرب إقليمية كبيرة لا تملك واشنطن أي إمكانية للانتصار بها ما دامت مصالحها الحيوية وقواعدها ستكون المستهدف الأول.
ما يلفت النظر هذه الأيام هو نشاط الإعلام العربي المأجور «إعلام مدعوم أميركياً» على خط إثارة وإشاعة ثقافة الإحباط والهزيمة في الأمة كي يتقبل العرب شعوباً وحكومات الواقع الجديد الذي فرضته حماقة ترامب وتجرؤه غير المحدود على القانون الدولي والمواثيق الدولية، وهذا يعيدنا إلى فترة عام 2001 و2002 بعد أحداث 11 أيلول مباشرة ومرحلة التمهيد لغزو واحتلال العراق بذرائع كاذبة، حيث مارس الإعلام نفسه الدور ذاته المناط به حالياً، ولم تكن النتيجة سوى خروج أميركي مذل من أرض العراق بعد تكبد الأميركيين خسائر بشرية واقتصادية لا قدرة للإدارات الأميركية على تحملها، وكذلك هزيمة الكيان الصهيوني في حرب تموز عام 2006 أمام أبطال المقاومة اللبنانية وعجزه عن التعويض لاحقاً أو صياغة قواعد اشتباك جديدة تناسب مصالحه وأطماعه، وربما كانت حقبة الثمانينات هي المرحلة الأصعب في تاريخ المنطقة حين اجتاح الكيان الصهيوني لبنان وحاصر بيروت ثم احتلها، بمساعدة أميركية أطلسية، ولكن لم تمض سوى سنوات قليلة حتى خرجت القوات الأطلسية المتعددة الجنسيات مهزومة تجر ذيول الخزي والعار والهزيمة، ثم بدأ كيان العدو بالتقهقر والانسحاب الجزئي من المدن والبلدات اللبنانية تحت ضربات أبناء المقاومة اللبنانية وكانت الهزيمة المدوية في أيار عام 2000 دون قيد أو شرط.
اليوم الظروف باتت أفضل بكثير من العام 1982 والعام 2001 و2003 ففي رصيد محور المقاومة إنجازات كبيرة وانتصارات كبيرة على مساحة المنطقة، ولديه انتشار أوسع على مستوى المنطقة من طهران إلى بيروت ومن فلسطين المحتلة إلى اليمن المقاوم البطل مروراً بالعراق وسورية، ولدى هذا المحور فرصة حقيقية لإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأدواتها، وبالتالي إخراج الثنائي الإجرامي ترامب ــ نتنياهو من المشهد كلياً، لأن «صفقة القرن» التي يعول عليها الأميركيون والصهاينة كثيراً لإجهاض حقوق الشعب الفلسطيني وتمكين حكومة نتنياهو من البقاء لفترة أطول واستكمال مشروعها الاستيطاني التوسعي في الجولان والضفة الغربية، محكومة بالفشل لأن أهلنا الصامدين في الجولان السوري المحتل وكذلك شعبنا الفلسطيني المقاوم لا يمكن أن يذعنوا لترامب ولقراراته ووعوده، وهم قادرون بدعم من محورهم المقاوم المتقدم على الأرض على تحويل هذا الوعد المشؤوم إلى فرصة حقيقية من أجل هزيمة المشروع الأميركي وضعضعة الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على التقهقر والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لأن المقاومة هي حق مكفول ومصان للشعوب المحتلة أراضيها وفق القانون الدولي، ولا يمكن لأي قوة على وجه الأرض أن تسلبها هذا الحق بأي حالٍ من الأحوال.