وهي أسئلة استراتيجية يتوجب على النظام العربي والإقليمي أن يجيب عنها, فالعالم يعيش في ظل نظام دولي أحادي القطبية تسيره وتقوده أميركا بمفردها على الأقل مؤقتاً, بيد أن الوضع الدولي يشهد جملة مبادرات وتحركات لجهة بناء نظام دولي متعدد الأقطاب, يشهد على ذلك صمود العملاق الروسي من جديد كلاعب أساسي إلى جانب العملاق الصيني في مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية, ومما لا شك فيه أن الشرق الأوسط العربي والإسلامي بات يحتل حيزاً مهماً من هذا الصراع الدولي بسبب وجود النفط وبسبب التركيز الأميركي على ما يسمى الحرب على الإرهاب إضافة الى حقيقة باتت من بديهيات العرب جميعهم وهي انحيازهم للمفاوضات والصلح والاعتراف بإسرائيل, وهذا ما أقرته قمة بيروت في عام 2002 عندما أقرت مبادرة السلام العربي.
وتعقد قمة دمشق أيضاً في ظروف بالغة الخطورة والجدية تواجهها الأمة العربية, فالعراق أكبر شاهد على حال الدول العربية إذ حوله الغزو الأميركي من دولة كبرى إلى دولة فاشلة كبرى كما أوشك على الاختفاء من خارطة العالم.
هذا الواقع المرير فرض على القادة العرب مسؤوليات فعلية تقتضي مواقف حاسمة في مواجهة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية لم يعد من الجائز التعامل معها بلا مبالاة أو تقاعس, الملفات كثيرة وخطيرة باتت تهدد الوجود العربي برمته بدءاً من الملف العراقي إلى الملف الفلسطيني, فالملف اللبناني وأيضاً الملف السوداني والصومالي, والوضع الصحراوي من دون أن نسقط من حسابنا الملف النووي الإيراني وتداعياته على المنطقة إذا ما قررت الولايات المتحدة وإسرائيل تفجيره.
لا شك أن هناك أزمات وقضايا معقدة متشعبة تراوح بين الوطني والقومي والإقليمي والدولي تواجه العرب أيضاً منها تحدي الملف النووي الإيراني الملتهب والذي يهدد اندلاعه ببركان مدوٍ قد يدفع بالمنطقة برمتها إلى تداعيات لا تستطيع احتمالها إضافة إلى مستجدات القضية الفلسطينية بكل مفاعيلها لكن هناك ثلاثة ملفات رئيسة تفرض حضورها بقوة في قمة دمشق.
الملف الأول: هو الملف الفلسطيني من المنظور الصهيوني يستهدف العدوان على غزة وتصفية حركات المقاومة الفلسطينية باستهداف تصفية القيادات السياسية ,وما تسعى إليه حكومة إيهود أولمرت في الوقت الحاضر في القطاع هو إحكام واستمرار الحصار المفروض على أكثر من مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني ,والذي لم يتوقف -وإن ليوم واحد- منذ أكثر من عامين وتحديداً بعد انسحاب قوات الاحتلال من القطاع وتفكيك المستوطنات هناك حيث واصل العدو المحتل استهدافه القيادات الفلسطينية والنشطاء ,من رجال المقاومة إلى جانب استمرار الاعتقالات في عموم الأرض المحتلة منذ عام .1967
والعدوان الصهيوني يستهدف أيضاً تأليب الشعب الفلسطيني ضد المقاومة المسلحة التي يريد الاحتلال تصفيتها, وهو ما يطلق عليه بتعبيره تفكيك المنظمات الإرهابية الفلسطينية وتدميرها على أمل تحطيم الإرادة الفلسطينية, وجعل الفلسطينيين أداة طيعة في أيدي قوات الاحتلال الصهيوني.
ففي ظل استمرار الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي فرض حصارهما وقطع الامدادات والمساعدات على قطاع غزة ينتظر الشعب الفلسطيني من قمة دمشق أن تبادر إلى كسر الحصار الدولي المفروض عليه منذ نحو عامين وتنتقل لاحقاً إلى تقديم الدعم اللازم على الصعد كافة وعدم الرضوخ لضغوط الإدارة الأميركية الرامية من خلال حركتها الدبلوماسية النشطة التي تقودها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في المنطقة إلى خفض سقف القمة العربية المقبلة, ودفعها باتجاه تسريع قضية التطبيع مع إسرائيل والتمهيد لمنظومة الشرق الأوسط الجديد ,مستغلة تفكك النظام العربي الذي لا يملك أي مشروع مستقبلي للمنطقة العربية في ظل إصابته بالإعياء الشديد وتنصله من التزاماته وقضاياه.
الملف الثاني: هو المشهد السياسي العراقي الذي يعيش أوضاعاً صعبة ومعقدة بسبب الاحتلال. فما نشهده اليوم على المسرح السياسي العراقي تشظي هوية العراق الوطنية والقومية إلى هويات إثنية ومذهبية متشظية بدورها, إن هوية العراق العربية جعلتها هي الصورة الوحيدة للمواطنة أزيحت نتيجة الأحداث الجسام ,أي انهيار الدولة المتعارف عليها طوال ثمانين سنة تقريباً تحل محلها صور متعددة تقوم على أساس عرقي ومذهبي.
الملف الثالث: هو الملف اللبناني بعد أن اعتمد الحل العربي لأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان والقاضي بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية وبات نجاح خطة الجامعة العربية في لبنان مرتبطاً بالتزام الدول العربية سياسة تضامن عربي حقيقي, تقوم على عدم تدويل الخلافات العربية-العربية. وقد تجاوبت سورية مع الجهود العربية لحل الأزمة اللبنانية, ووفرت الأجواء المريحة لعقد القمة العربية في دمشق, مؤكدة على وحدة لبنان وعروبته على أساس الثوابت الوطنية الفعلية التي تمنع التقسيم وتسقط برامج الطوائف, وتعيد بناء الدولة اللبنانية على أسس تضمن حقوق المواطنة وتصون الحريات وتحرر النظام الاقتصادي والاجتماعي من هيمنة القوى المعادية للشعب, ومن الارتباط بالمخططات الأميركية المعادية, وتنظيم علاقات لبنان مع سورية وسائر الأقطار العربية على أساس وحدة المصالح ووحدة المصير ,وبما يحفظ الأمن القومي والمصالح القومية.
إن قمة دمشق المتمسكة بسياسة التضامن العربي التي لا بديل عنها ,مطالبة بحل الخلافات البينية العربية التي توفر التربة الخصبة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مخططاتهما في المنطقة, ما يستوجب على العرب وقادتهم التنبه إلى مصيرهم, وقبل ذلك كله السعي نحو توحيد المواقف بعيداً عن المصالح الآنية وما يحدث في فلسطين والعراق ولبنان والسودان ينبىء بمخاطر كبيرة.
*كاتب تونسي