> القمة العربية في دمشق هي قمة الضرورات والحدود ذات الطبيعة العميقة والمصيرية.
> هذه القمة حاجة الجميع والمسافة واحدة ما بين كل دولة والقمة نفسها, وإذا كان لا بد من تقنين لهذه الفكرة فإن حاجة سورية للقمة يعادلها حاجة كل بلد عربي للقمة نفسها.
> هذه القمة سيكون ما بعدها مختلفا عما قبلها ولعل أسبابا موضوعية هي التي تلح على هذا الاستنتاج الذي مازال محكوما بدوافع الاستشراف وعوامل التدقيق في إيقاع الحياة السياسية العربية, في هذه المرحلة, ومن السمات التي يستحوذ عليها إيقاع الحركة العربية الراهنة سياسيا تلك الحالة من ضعف الاستجابة أمام التحديات, وذلك المشهد المتراكم الذي يدل على أن التحديات و الاختراقات هي في الأوج بينما رد الفعل وبوادر الصحوة لا تزال جنينية, تحمل معنى التأصيل والثبات ولكنها تتلجلج كثيرا وتتوه أكثر في مناخات التسيب واختلاق المواقف والمحاولات المحمومة لإجراء التعديل القسري على حقائق ومحاور صراع العرب مع القوى المعادية.
> ثم تأتي الفقرة الرابعة وهي ذات طبيعة عملية بالمعنيين السياسي والحيوي حيث نشهد لأول مرة أن اتجاه الحركة على مستوى القمة هو من الاختلاف الى الاجتماع ومن التناقض الى الحوار, وهذا يعني أن ما سوف تنتجه القمة لن يكون هذه المرة حالة بروتوكولية كالمعتاد ,حيث يعلن القادة العرب أنهم اتفقوا على كل شيء واختلفوا في كل شيء ,ومعروف أن الآلية التي تحيط بقرارات القمة العربية إنما كانت وما تزال تتمثل بمعطيين حرجين, الأول منهما أن القرارات في القمة غير ملزمة وأن الالتزام الذاتي هو الذي يحكمها وبالتالي فلا يوجد معيار لمراجعة المواقف ولا يوجد اتجاه لتقويم فاعلية تطبيق القرارات من قبل الأنظمة والدول العربية. أما المعطى الثاني فهو أن أي قرار ملزم لا بد أن يكون بالإطلاق وليس بالأكثرية ,ولا يخفف من ذلك أسلوب الموافقة على القرارات مع تثبيت حالة التحفظ والاعتراض على هذه الفقرة أو تلك.
إنما أردت من خلال عرض الفقرات الأربع أن أصل الى المسألة الحساسة والهامة في هذه الأيام, و لاسيما قبيل انعقاد القمة والمتمثلة في المواقف الإعلامية المتناقضة من القمة نفسها تبعا للمرجعيات السياسية من جهة وبانجذابات مقصودة لأداء أدوار مرسومة على ما يبدو من جهة أخرى, لقد انتهت المرحلة الخطرة التي تمثلت في إطلاق الأسئلة الصعبة على القمة نفسها وقد توزعت هذه الأسئلة والتوقعات في انعقاد القمة أو عدم انعقادها وطرحت خصائص مستورة ومفضوحة بعضها يؤكد أن القمة بصدد التأجيل وأن احتمال نقل القمة من دمشق أمر وارد, وفي هذا السياق حدثت فيضانات سياسية إعلامية لكنها جميعا ذهبت أدراج الرياح, ومنذ أن اجتمع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية ظهرت البوادر الأولى والأهم على انتظام القمة والالتزام بموعدها والتفاعل مع حاضنتها في دمشق, بل لقد ارتقت قرارات وزراء الخارجية العرب الى مسافات أكثر عمقا حينما صدر ما يشير الى أن العرب سوف يعيدون النظر بالمبادرة العربية للسلام ,وأنهم لن يسمحوا بالمحرقة في فلسطين, الأمر الذي أضاف للتأكيد على القمة معنى سياسيا ومغزى موقفيا يبدو مهما للغاية, برغم أنه زال في البدايات وعند الحد الأدنى, وهكذا صار لقمة دمشق منذ الأيام هذه عنوان سياسي قد يكتمل ويتكامل لكي يصبح هوية سياسية في مرحلة عاصفة وعبر خيارات لا تستثني المصير العربي نفسه ,ولا تعترف على التوصيف المتعسف ما بين رافض وراض ,وما بين معتدل ومتطرف وما بين صديق لأمريكا أو معاد لها, إن منهجية الطغيان الأمريكي وفي ركابها هذا الجنون الإسرائيلي المرصود وأدت الى حالة أساسها الأحقاد وقيمتها بقدر ما تنتج من تدمير وقتل واستهتار بالعرب جميع العرب, وبقضاياهم جميع قضاياهم, ومن هذه الزاوية بالذات تخلقت لحظة البدء نحو القمة فلم تعد هذه القمة حاجة دمشق عند العرب فحسب,بل أصبحت حاجة العرب عند دمشق أيضا والمتلازمة معروفة ومألوفة ما بين دمشق والقضايا القومية, وما بين دمشق والظرف العربي الصعب, إن الوعي بهذه الحقيقة هو الذي يدفعنا لنطرح مسائل ومهام بذاتها وفي هذه الأيام بالذات لأن المسؤولية تبدأ من لحظة الإعداد والاستعداد ولا تأتي مفاجئة في زمن الاجتماع والحوار فحسب وإذا كان صحيحا أن القادة العرب كما هم الآن ما زالوا يتعرضون للضغط من الخارج وللترهل من الداخل وما زالوا يأخذون في غالبيتهم بمقامات سلبية كثيرة, فإنهم بذاتهم الآن أحوج ما يكون للمناخ الشعبي وللحاضنة الفكرية والإعلامية ولقوة ضغط الرأي العام, إن لحظة الافتراق في خيارات الزعماء سوف تترتب على مدى قوة هذه الفاعلية في الحياة العامة للعرب وهذا ما يدعوني الى تثبيت المسائل التالية:
1- ليست القمة العربية محطة تنبؤ أو تحزير أو هي مجرد وجهة نظر خاصة يعمقها هذا الإعلام أو ذاك , إن التبصر والوعي بالمقدمات هو الذي سوف يدلنا على أن منطقا فيه الحد الأدنى من الموضوعية والفاعلية قد أصبح ثابتا الآن, ولذلك من الصعب بل من غير المقبول أن تتوزع الفاعليات الإعلامية السياسية ما بين اتجاهين نقيضين, اتجاه يحمل القمة مالا طاقة لها به ويثبت على بنودها مفردات ومصطلحات جذرية انقلابية قد تنتج السراب أحيانا وقد تنتج الصدمة أحيانا أخرى, إن التطلع هو نحو رفع مستوى القمة ذاتها وليس نحو رفع مستوى التوقعات منها, إن هذه المسألة حساسة للغاية وهي التي تردم الهوّة ما بين الموقف المجاني غير المسؤول وواقع القمة العربية نفسها, إن القمة الراهنة قوية بقدر ما تستند إليه من وعي بالمخاطر وانكشاف على المجهول لذا فإن الأساس هو التركيز على خلق مناخ القمة العربية وليس تسميم المناخ الشعبي (بالحزازير والصرعات الإعلامية المعروفة).
وفي الاتجاه الثاني هناك فكر وإعلام سياسي عربي يتعامل مع القمة وكأنها حالة فشل مسبقا وأنها مجرد عمل إيقاعي يحمل ضعفه في ذاته, ذاك اتجاه يضاف بنتائجه السلبية الى الاتجاه الأول, وكلاهما يؤدي غرضا خطيرا برغم تناقض الرؤية والطرح.
2- نريد أن نكون واقعيين, والواقعية لا تعني التسليم بالأمر الواقع وتقبل منطق الهزيمة و الاعتقاد بأن الارتداد الى الوارء بأن المزيد من التدهور والنكسة هو خيار لا بد منه, إن الواقعية ترفض التسليم بالأمر الواقع ولكنها تحتسب قوة القضايا العربية وأهمية المناخ الشعبي وخطورة الصراع القائم بحيث لا نتوهم ولا نقفز فوق الحقائق, هذه الواقعية منهج يأتي بكل ثقله الى أجواء القمة العربية العشرين كأنها بالتأكيد تطلق الحدين الأعلى والأدنى, وتبقي الأمل مفتوحا على أن ترتقي القمة إلى أقرب مسافة الى الأعلى وأن تبتعد القمة عن أوسع مسافة عن الحد الأدنى وهنا يظهر دور الحضور الإعلامي السياسي والثقافي والذي لا نكاد نلمح منه آفاقا متكاملة أو وجبات ذات منطق واستمرار, إن الأصل في الحاضنة الفكرية والإعلامية والجماهيرية أن يتشكل الأفق الواعد المتحلل من قيد الركود و المتحرك نحو الديناميكيات القومية المطلوبة.
3- إن التخوّف يفرض نفسه أحيانا من أن يجنح المناخ العربي نحو المصطلحات السهلة والمثيرة بحيث يتم التقاط أية فاصلة عادية وإطلاقها على أنها كل الحياة السياسية العربية الراهنة ولهذا نرى الإلحاح المرير على التذكير بالحساسيات والمواقف الصعبة ما بين العرب, يرافق ليغدو ذلك سيل يفيض من معجم مصمم سلفا لاطلاق الاتهامات وتعميق مناطق الألم وتسويق فكرة الإيجابي المطلق أو السلبي المطلق, حتى الأمر محاصرا بهذا السؤال, لماذا تنعقد القمة وفي دمشق تحديدا وفي موعد الدور القومي لسورية عبر عام كامل بدءا من انعقاد القمة, إن السؤال نفسه يحتضن الإجابة إذا لم يجتمع العرب في موعد العاصفة وتحت سقف الخطر فمتى يجتمعون?! وإذا كان المكان هو دمشق ودمشق ليست تربة وصخورا وغوطة, هي تاريخ وأمجاد وشهداء وشهادات فكيف لا يضفي ذلك كله على القمة مسحة من الأمل ونوعا جديدا من الجدل.