هذا ما كتبه سيناتور ولاية مساشوسيتيس (ادوارد كينيدي) في مقال نشرته الهيرالدتريبيون يسلط الضوء فيه على تحركات واشنطن الدبلوماسية والعسكرية في العراق اليوم, ويتابع (كيندي) قائلاً: وصلت الرهانات السياسية حول هذا الملف إلى ذروتها لتنقلنا تلك المباحثات إلى الاتجاه الخاطىء فقد أغرقت الولايات المتحدة الشعب العراقي خمس سنوات في حمامات الدم واستنزاف أموال وخزينة واشنطن, ويخطىء جورج بوش الابن في مساعيه للف الحبل حول عنق رئيس الولايات المتحدة القادم واغراق أمتنا الأميركية في مستنقع حرب العراق التي لا نهاية لها حسبما يرى عدد من المراقبين.
فالعراق كدولة بعيدة كل البعد عن الغالبية العظمى لمثيلاتها في العالم وتبني اتفاقية من هذا النوع مع العراق لا يمكن أن يخدم مصالحنا الوطنية بشكل أو بآخر.
وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي (روبرت غيتس) أمام لجنة خدمات القوات المسلحة في مجلس الشيوخ قائلاً: لن يتضمن هذا الاتفاق تعهداً بالدفاع عن العراق, لكن طالما تحتفظ واشنطن بمئات من جنودها في العراق فلن يكون هناك اختلاف كبير بين المبادرتين كذلك حاول كل من الرئيس بوش وعدد من المسؤولين في إدارته التقليل من أهمية الاتفاق المذكور مؤكدين أن المعاهدة النهائية لن تختلف عن الاتفاقيات التي أبرمتها واشنطن مع دول أخرى لذلك لا حاجة لأن يصادق الكونغرس عليها.
وقد منح البيت الأبيض المسؤول عن المفاوضات من الجانب الأميركي سلطات واسعة للتحرك لإبرام اتفاقية عسكرية من نوع جديد بعيد عن النموذج الذي طالما ناقشه صناع القرار في إدارته علانية فالوثيقة التي وقع عليها الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة العراقية (نوري المالكي) ترسم الخطوط العريضة لأفق المناقشات بينهما وتنص بوضوح على امكانية تداول الالتزامات الأمنية بين الطرفين الأمر الذي من شأنه الزام واشنطن بالدفاع عن العراق في حال تعرض الأخير لأي خطر خارجي.
ومن المؤكد أن الرئيس بوش يدرك ما الذي أقره أو اجازه عندما قام بتذييل توقيعه على تلك الوثيقة فمن الخطأ الفادح أن يتجرع الكونغرس والشعب الأميركي هذه القضية الشائكة لمجرد محاولة إدارة البيت الأبيض اقناعنا بأنها اتفاقية غير ملزمة وبالتالي فهي غير ذات أهمية ولكن في الواقع أي اتفاقية تبرم مع العراق تصبح أهميتها بالغة الخطورة, ألم توقع واشنطن سبع اتفاقيات من هذا النوع مع كل من حلف الناتو عام 1949 واستراليا ونيوزيلندا عام 1952 ومع عدد من دول جنوب شرق آسيا عام 1955 الاتفاقية الأميركية الأميركية للمعونات المتبادلة عام 1948 واتفاقية الأمن الثنائية مع اليابان عام 1960 ومع الفلبين عام 1952 ومع كوريا الجنوبية عام .1954
وقد أبرمت تلك الاتفاقيات بموافقة ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ كما تنص بنود الدستور الأميركي وحالما يتم التوقيع على اتفاق من هذا النوع يصبح الانسحاب منه أو التنصل من تطبيق محتوياته عسيراً لذلك يتوجب ابرام هذه الاتفاقيات بتأن شديد وفي ظل ظروف استثنائية فقط, ثم إن أي اتفاق وإن لم يرق إلى مستوى المعاهدة يصادق عليه الكونغرس لزاماً ولا تعرض الاتفاقيات التقليدية حول أوضاع القوات العسكرية الأميركية على الكونغرس للموافقة عليها لذلك تصبح قضية وجودها وانتشارها في العراق لا سابقة لها.
فالعراق من أهم الشؤون الخارجية التي تشكل الشغل الشاغل لواشنطن لذلك لم يعد كافياً تبادل المذكرات بين البيت الأبيض والكونغرس حول هذا الموضوع لأنه يحق لمجلسي هذا الأخير قبول أو رفض أي اتفاق بشأن العراق بغض النظر عما يؤثر في أوضاع قواتنا على أرض الواقع ومصير أمننا القومي مع الأخذ بعين الاعتبار الانقسام الكبير داخل الولايات المتحدة حول حرب العراق ومن الخطأ أن يتجاهل الرئيس بوش مجلسي الكونغرس والرأي العام الأميركي.
فالعراق بلد استثنائي وأي اتفاق مع حكومته سينعكس على مستقبل الأمة الأميركية لذلك يتوجب أن تتمتع المعاهدات بتأييد ودعم الشعب الأميركي وأن يوافق عليها الكونغرس, ألم تعلن بغداد بأنها ستقدم المعاهدات التي ستبرم بين حكومتها ونظيرتها الأميركية للبرلمان العراقي لتتم المصادقة عليها?
من المؤكد أن هناك خيارات أخرى في متناول واشنطن فهي تمتلك السلطة والنفوذ الدوليين لتبرير انتشارها العسكري في العراق بعد أن منحتها الأمم المتحدة عام 2004 الضوء الأخضر وتم تمديد هذا الوجود العسكري للمرة الثالثة في كانون الأول ومازال ساري المفعول حتى نهاية عام 2008 وربما تستمر عملية التمديد مرة أخرى بهدف منح الرئىس الأميركي القادم السلطة الضرورية لتوجيه سير العمليات العسكرية في العراق بانتظار صدور قرار يحدد مستقبل علاقتنا مع العراق, ويحتاج الرئىس الأميركي الحالي للتفكير ملياً وبوضوح حول عواقب أو نتائج إبرام أي اتفاق طويل الأمد مع العراق بحيث يتجاوز فترة تولي خليفه بوش السلطة في 20 كانون الثاني .2009
لقد غامر الرئيس بوش بأمننا القومي عندما قام بغزو العراق على نحو طائش ومتهور لذا يجب عدم السماح له بالمغامرة مرة أخرى من خلال الدخول في مباحثات تطول اتفاقية الدفاع عن العراق.
وآخر ما تحتاجه الولايات المتحدة هو قيام بوش وطاقمه بإبرام اتفاق سري مع العراق دون موافقة الكونغرس ما سيلزم الرئيس الأميركي القادم والقوى العسكرية والأمة الأميركية بالبقاء فوق أرض الرافدين خمس سنوات أخرى.