الإنفاق الحربي مسألة مهمة لأي اقتصاد يعاني صدأ ( مرحلياً أو حتى نوعياً ) في عجلته, وهو ما افترضه الاقتصاديون في أيام (ثروة الأمم) ودعوات آدم سميث. لكن عندما يصبح هذا الإنفاق طفيلياً بمعنى أنه لايحقق النتيجة المطلوبة منه - (السلام في العراق) ( على سبيل المثال)- تصبح التساؤلات واجبة.
وفي هذا السياق, أعد الاقتصاديان البارزان جوزيف ستيغلتز الحائز جائزة نوبل للاقتصاد, وليندا بيلمز من جامعة هارفارد, دراسة بعنوان (حرب ثلاثة تريليونات دولار) نشرت في 10 آذار الجاري, بعدما كانا قد تعرضا لانتقادات كثيرة لتوقعاتهما بأن تكلفة حرب العراق ستقارب 2 تريليون دولار.
وقد أوضح هذان الاقتصاديان أن (تكلفة العمليات العسكرية الأميركية) دون حساب نفقات الاهتمام والرعاية الصحية بالمحاربين القدامى على المدى الطويل - تعدت تكلفة حرب فيتنام التي دامت 12 عاماً, وهي ضعفا تكلفة الحرب في كوريا.
ومن الواضح أن هذا التقرير هو أعلى بكثير من تقدير مكتب الموازنة في الكونغرس الذي يعتبر أن النفقات المرتبطة بالحروب التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية ستتراوح مابين 1200 و 1700 مليار دولار حتى عام .2017
كما أشارت الدراسة إلى النفقات الأميركية المخصصة للحرب ستتجاوز أكثر من 12.5 مليار دولار شهرياً, مقابل 4.4 مليارات عام 2003 ومع الحرب في أفغانستان يصل الإجمالي العام إلى 16 مليار دولار شهرياً, أي مايعادل الميزانية السنوية لهيئة الأمم المتحدة.
وترى الدراسة أيضاً, أنه إذا ما اقتطعنا(ا ) تريليون دولار من المبلغ الإجمالي المنذور للحرب, فسنجد أن هذا المبلغ يكفي لبناء 8 ملايين مسكن, وتعيين 15 مليون مدرس, وتقديم الرعاية لأكثر من 350 مليون طفل, ومنح دراسية ل 43 مليون طالب, وغطاء اجتماعي للأميركيين لمدة خمسين سنة قادمة.
وطبقاً للدراسة, فإن إدارة الرئيس بوش أهملت أن تضع في حسابها عدة عناصر جوهرية: النفقات المقدّمة لجذب مجندين جدد إلى الجيش, وتكلفة الرعاية الصحية بالمحاربين القدامى, والمعاشات المودعة في حساب العائلات الثكلى, وإعادة تزويد الجيش بالمعدات الأحدث وغير ذلك.
وعلى مستوى اقتصادي أكبر, تشدد الدراسة على تكلفة فوائد القروض المتعلقة بالنفقات المخصصة للحرب, في وقت ارتفع سعر برميل النفط من 25 دولاراً إلى 100دولار.وإذا ماخصصنا 5 إلى 10 دولارات من مبلغ 75 دولاراً الزيادة في أسعار برميل النفط, وهو تقدير متواضع, فإنه يكفي لإثبات أن الحرب لاتعود دائماً بالفائدة المرجوة على الاقتصاد.
وفي أول رد فعل على الدراسة, جاء من الناطق الرسمي للبنتاغون جيوف موريل, حيث قال: (يبدو لنا أن هذه الأرقام مبالغ فيها ) وأضاف: إن الدراسة ( تأخذ في حسابها كل شيء وأيّ شيء ). مؤكداً أن البنتاغون كان شفافاً إلى أبعد الحدود فيما قدمه عن تكلفة الحرب. حيث توضح الأرقام المقدمة أن 527 مليار دولار خصصت من أيلول 2001 وحتى نهاية كانون أول 2007 لتمويل الحرب على الإرهاب, و 406.2 مليارات دولار للحرب في العراق, و 92.2 مليار دولار للحرب في أفغانستان, وحوالى 28 مليار دولار للأمن القومي.
هذا الإنفاق هو على صعيد الحروب الخارجية. فماذا عن تمويل الحروب الداخلية..الانتخابات الرئاسية? الانتصارات التي حققها في تمهيدات الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية. في ولايات ساوث كارولينا وفلوريدا ونيوهامشير, أعادت السيناتور عن ولاية أريزونا, جون ماكين شاباً من جديد, بنظر الأميركيين عموماً وبنظر الجمهوريين على وجه التحديد.
غير أن هذا السياسي السبعيني عانى كثيراً على صعيد تمويل حملته الانتخابية, التي تعد أساسية في التأثير في الرأي العام في (أميركا - اللوحات الإعلانية البراقة سياسياً). ففي تشرين الثاني الماضي, وصلت تلك الحملة إلى حافة الإفلاس, واضطر السجين السابق في أدغال فيتنام, إلى الاقتراض المصرفي, وحصل على 3 ملايين دولار مقابل تأمين خاص على حياته, إذا لم يكمل السباق حيّاً. أما الآن فهو على السكة من جديد, إذ جمعت حملته أكثر من شهر فقط 7 ملايين دولار على الأقل. وفي الأيام الأخيرة تكارمت يد الخير الجمهورية كثيراً عليه في واشنطن وفلوريدا وكاليفورنيا, بعدما كانت نيويورك قد منحته مليون دولار في حفل جمع تبرعات واحد.
أمام هذا الانفاق الأميركي على الحروب وعلى تعبيد الطرق أمام من يكمل هذه الحروب, تجدر الإضاءة على (زوبعة مالية) ليست جديدة, لكن التطورات الاقتصادية الدولية تعيدها إلى الساحة:صناديق الثروة السيادية. فهذه المحافظ المالية الضخمة, (التابعة لحكومات دول نامية ذات فوائض مالية ) التي تمثل نحو 2 في المئة من مجمل السندات المالية التجاريةحول العالم, البالغة 165 تريليون دولار, تتضخم باطراد (يتوقع أن تصبح قيمتها عام ,2015 12 تريليون دولار ), وتثير قلق العديد من حكومات العالم المتقدّم, وفي هذه الحالة, كثيرون من الشيوخ والنواب الأميركيين قلقهم منطقي, فبعض ماتستهدفه هذه الصناديق هو شركات المرافئ وشركات النفط وغير ذلك من قطاعات حيوية واستراتيجية.
غرقت أميركا في وحول إنفاقها الحربي, وفي متاهات الإنفاق على المنافسة السياسية الداخلية, لدرجة أنها نسيت أن أصولها تصادر: رغم كثافة المليارات, فإن النتيجة هي خسائر.