فالحلف الذي تأسس عام 1949 بمشاركة 12 دولة كان له هدف واحد هو: الدفاع عن أوروبا الغربية والحيلولة دون نشوب الحرب العالمية الثالثة ومن خلال اشراك الأميركيين وابقاء الألمان تحت السيطرة او ابعاد الروس توافرت معادلة تتيح الامكانية لتحقيق هذا الهدف وهي معادلة نجحت على مدى أربعة عقود في تحقيق المطلوب منها بشكل فائق.
وبمجرد اختفاء التهديد السوفييتي لم تضع الدول الاوروبية التي تشكل القوام الأساسي للحلف وقتا في المطالبة بنصيبها من عوائد السلام, كما عملت على تقليص ميزانيات دفاعها وتخفيض قدراتها العسكرية لكن الحلف كما تقول صحيفة - لوس انجلوس تايمز الأميركية- واجه مشكلة وهي أن استراتيجية توسيعه من خلال ضم المزيد من الأعضاء أدت في الوقت نفسه إلى تقليص قدرته الفعلية على الدفاع عن نفسه وبدلا من أن يكون منظمة أمنية جماعية, فإن الحلف تحول إلى شيء أكثر شبها بالنادي السياسي تتمثل مهارته في عقد المؤتمرات بأكثر مما تتمثل في اعداد نفسه للحرب.
وبتحريض من واشنطن بدأ زعماء دول الحلف الأوروبيين في النظر الى الخارج أي التفكير في استخدام القوة العسكرية من أجل تعزيز الأمن خارج حدود المنطقة المحددة بموجب معاهدة انشاء الحلف وينظر إلى دور الحلف على أنه يجب أن يكون له دور مثل دور الجماعة التي تساعد الشرطي الأول الذي هو الولايات المتحدة في فرض النظام والأمن في العالم.
فقد قدمت حروب البلقان التي اندلعت في عقد التسعينيات من القرن الماضي فرصة مبكرة لاختبار مدى صلاحية هذا التصور. لم تكن النتائج التي تمخضت عن ذلك مطمئنة بالقدر الكافي فمثلا في عام 1999 استلزم الأمر أحد عشر أسبوعا كاملا من القصف المكثف لقوات الحلف الجوية القوية لطرد جيش سلوبودان ميلو سوفيتش القليل العدد من كوسوفو. ومن خلال تلك التجربة ظهر بوضوح أن الناتو- أصبح يحجم عن التفكير بأي شكل من الأشكال في اسلوب القتال المتلاحم.
والقتال الدائر حاليا في افغانستان ضد طالبان وتنظيم القاعدة يقدم اختبارا ثانيا وصعبا للحلف. وقد أظهر هذا الاختبار بوضوح إلى أي حد تضاءلت قدرات الحلف القتالية ودرجة تماسكه والحلف يخفق حاليا في تحقيق هدفه في افغانستان. وتكمن المشكلة هنا في أن الدول الاوروبية تفتقر إلى الأعداد الكافية من الجنود المدربين وإلى الكميات الكافية من الأسلحة والمعدات كما تفتقر إلى ماهو أهم من ذلك وهو الإرادة السياسية ويضاف إلى ما سبق أن شهية الرأي العام الأوروبي لإرسال قوات اوروبية للعمل خارج القارة العجوز ومطاردة المقاومين في أجزاء أخرى من العالم قد قلت إلى حد كبير.
ويحذر وزير الدفاع الأميركي- روبرت غيتس حاليا من خطر تحول الناتو إلى حلف يتكون من طبقتين :طبقة تضم الأعضاء الراغبين في تحمل نصيبهم العادل من الأعباء وأخرى تتكون من الركاب المجانيين.
هذا التحذير يأتي متأخرا عن موعده كما قال استاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن الأميركية- أندروجيه بيسفيتش لأن انقسام الحلف إلى طبقتين قد أصبح حقيقة واقعة بالفعل ترضي الأغلبية في الحلف بموجبها أن تكون في الطبقة الدنيا أي طبقة الركاب المجانيين.
وأي نوع من الاستياء الاميركي لن يستطيع أن يغير هذه الحقيقة فإدارة بوش تخدع نفسها إذا ما كانت تتوقع من الاوروبيين أن يأتوا لينقذوا الموقف في افغانستان حاليا. والتفكير في حلف الناتو على أنه حلف كبير وعظيم يشبه إلى حد كبير الاعتقاد بأن بطر سبورغ لاتزال هي عاصمة الحديد وأن ديترويت هي عاصمة صناعة السيار ات في العالم أي أنه اعتقاد لايزيد عن كونه مجرد حنين إلى الماضي. لقد حان الوقت لشطب مسمى حلف الناتو لأن هذا الحلف ببساطة شديدة لم يعد قائما بالصورة التي كان يعنيها هذا الاسم سابقا.