فالعام هدفه القضاء على الأميّة, باستيعاب طلاب التعليم الأساسي بالمجان, تحت شعار ديمقراطية التعليم, وتحقيق تكافؤ الفرص.
والخاص يتجه نحو تلقف متسربات التعليم الحكومي الذي نجح كماً وأخفق نوعاً, بالانصراف إلى تجويد مواصفات هذا التعليم ضمن سياق ظروف وشروط أفضل, تعتمد رفع سقف الانفاق على بنية هذا التعليم التحتية, كمدارس ومعاهد, ومخابر ومناهج وإدارة ومعلمين خمس نجوم, يتجهون مجتمعين لصناعة ( الطالب السوبر) أي المتفوق على أقرانه, والقادر بمجموعه العام في نهاية السنة على اقتحام جميع أبواب الجامعات. من هنا, بدأنا نلمس تنافساً غير متكافىء الأقطاب, بين طالب يتتلمذ على يد مدرس عادي, وآخر يتتلمذ على يد مدرس خمس نجوم, والمفارقة أن نفس المدرس الذي نجده أحياناً يتماهى بين مدارس القطاع العام والقطاع الخاص بآن معاً, يختلف في عطائه مابين الضفتين, وهذا طبيعي فمن يصل متوسط أجره (7000) ل.س شهرياً هنا, وخمسين ألفا هناك, سيجد نفسه تلقائياً يعطي بزخم أفضل في الخاص على حساب العام.
والمشكلة .. أن ( الخصخصة) لم تعد حكراً على الصفوف العليا من مراحل التعليم الأساسي, وإنما راحت تنسحب على المرحلة الابتدائية, بدءاً من الصف الأول, حيث برز إلى الساحة بعض المعاهد المتخصصة بمتابعة تلاميذ هذه المرحلة, والتي راحت تعلن بأنها قد أخذت على عاتقها متابعتهم بدءاً من كتابة الواجب المدرسي, وحتى مرحلة الاعداد والتعبئة للمذاكرات والامتحانات الفصلية.
والسؤال الذي يجدر طرحه مع تصاعد هذا التوجه في خصخصة التعليم وانسحاب جذوره إلى المرحلة الابتدائية هو:
- إلى أي حد سيغذي هذا التوجه ( الاتكالية ) عند التلاميذ وأهاليهم في هذه المرحلة المبكرة من التحصيل العلمي, وما أثر ذلك على صحة التلاميذ وجيوب الأهالي?!.
هذا من جانب ومن جانب آخر سيفضي بنا هذا السؤال إلى السؤال الأهم وهو:
- ماحجم التحدي الواجب على التعليم الحكومي مواجهته مع تزايد إقبال الأهالي على هذا النوع من التعليم الذي برز فجأة إلى الساحة كمرادف للتعليم الحكومي, وفي بعض الحالات- كنائب غير شرعي عنه- في حالة عدم وجود الترخيص?.
لن ندور في آفاق المقترحات والحلول كثيراً, للحد من طغيان هذه الظاهرة التي بدأت تغزو كل بيت, وتفرض نفسها على ميزانية الأسرة كحاجة ملحة ترعرعت في ظل صعوبة المناهج, واختلافها مابين جيلي الآباء والأبناء, وانشغال الوالدين العاملين معظم النهار, وتدني نوعية التعليم في المرحلة الأدنى والأصعب, وغير ذلك من الظروف التي ناقشها ذوو الاختصاص في التحقيق المنشور جانباً .
ولكن مانود لفت الأنظار إليه من خلال تسليط الضوء على هذه ا لظاهرة هوأن المكافحة الحيوية لها لاتكون بغير الانصراف نحو تجويد نوعية التعليم الحكومي ابتداء من المعلم ومروراً بالطالب الذي أضحى اليوم شريكاً حقيقياً في العملية التعليمية وليس مجرد متلق ننقل المعارف إليه عن طريق المعلم بالتلقين.. وتبسيط المناهج ما أمكن في مقاربة مع الواقع الذي يشهد ثورة تعليمية حقيقية في ظل التفجر المعرفي الذي استبدل المعلم التقليدي -بالانترنت- والمدرسة النمطية بحوار الأثير المفتوح..