وبذلك سوف نجد أنفسنا في مسرحيته الجديدة (تشيللو) المقدمة مؤخراً ضمن مهرجان الشام المسرحي في دورته الثالثة امام موضوعة المرأة المظلومة في عالم الذكورة الطاغية.
تحكي (تشيللو) المأخوذة عن (سوناتا الجنون) لجواد الأسدي, اعداد وسينوغرافيا واخراج عروة العربي, عن أختين خادمتين لدى أحد الرجال الذي يبدو انه سيد ذو سطوة ونفوذ كبيرين في البلد, تظهر كل منهما محبتها وتعلقها به, ورغبتها القوية في الارتباط به, بل يصل الأمر بهما الى المشاجرة والاختلاف لا لشيء, إلا لأجل التنازع على كسب وده والفوز بقلبه.
وهكذا فنحن امام علاقة ثلاثية الاطراف, هو الثالوث نفسه الذي يطرح ويقدم كثيراً, ولكن برؤى وقوالب تختلف عن بعضها. وعروة نفسه قدم ذات الثالوث في (الليغرو) وان اختلفت القصة الأساس بين العملين , إلا اننا امام تقاطعات ملحوظة بينهما.
فهل كان ذلك بسبب الرغبة من المخرج في التأكيد على مشروعه المسرحي المتعاطف بشدة مع المرأة أم ان في الأمرنوعاً من التحدي باطلاق ذات الموضوعة الكبرى (المرأة ) مع اختلاف بالقالب الفني العام.. هل كان لعروة ذلك ?
على الرغم من انه قد يتهيأ للمتلقي للوهلة الأولى, ان هناك تشابهاَ بين المسرحيتين, فهناك وهنا امرأتان,والرجل هو مسبب مأساتهما هو الخط العام المشغول عليه بتفاصيل حكائية متمايزة بين العملين.. فالمدقق بالرؤية الفنية, بالمشهدية البصرية, بالأداء المكثف للممثلتين, سيلحظ, بالتأكيد, التمايز الواضح..وهي اللعبة التي يتفنن العربي في صنعها.
في (تشيللو) نرى قصة واقعية, تم التعبير عنها, من الناحية الفنية, شكل واقعي ايضاً, لكن لا يخلو من شرطية مسرحية بسيطة مفهومة وظفت بعناية خدمة للعرض. فالسينوغرافيا كانت حاملاً اساسياً لفنية العمل, وهذان السريران الموضوعان فوق بعضهما, لم يستخدما فقط كسريرين وانما تم تفعيل ستائرهما وسيلة تقنية خيال الظل الموحية, والتي تم التعبير من خلالها عن وجود الرجل في عالم الاختين, الرجل الذي لم يظهر على الخشبة إلا ظلاً, هوا لمؤثر الأكبر بهما وبحياتيهما.
تبدأ تنكشف حقيقة العلاقة بين الثلاثة بعد الايحاء من قبل الاختين( دليلة ووسيلة) بتعلقهما الزائد به في البداية, لينقلب الأمر الى النقيض من خلال تقويض كل ما تم بناؤه سرداً في القسم الأول من الحكاية, وبذلك تم نقض كل تلك المحبة واللهفة للزواج منه, الى اظهار اثره السلبي, الى اظهار الكره تجاهه نهاية.
اذا هناك, وهم-حلم عاشته الاثنتان,انقلب الى كابوس بفعل تأثير ذلك الرجل ذي القوة والسلطة, الرجل لا الظل على الخشبة ومع ذلك هو القوة المؤثرة الفاعلة..هي مفارقة, تأتي قبالتها مفارقة أخرى الحضور الصاخب, المتفجر اداء للأختين, غير المؤثرتين حتى في حياتيهما.. هي المفارقة الثانية الموازية للمفارقة الأولى وهي ضدية تظهر مدى الاختلاف بين العالمين عالم الرجل عالم المرأة.. ولربما هوما تقصده ا لمخرج عبر هذه الرؤية الاخراجية. فطوال مدة العرض هناك أداء يتفجر طاقة حركية وصوتية للممثلتين يصل احياناً لدرجة الصخب وكما لو انه امر متعمد يأتي تعبيرا عن حالة الصخب الذهني والروحي (الصخب الداخلي) لعالم الاختين,بسبب ذاك الرجل ذي الحضور الاقرب للآلي الجامد المستفز, الذي وان تجسد على الخشبة يبقى صوتا وظلاً.
ولكن..هل تحررت الاختان منه? هل تمكنتا ولو قليلا النفاذ من قوقعته, ختاماً?
ضمن هذا السياق يأتي فعل القتل على قسوته مشتملاً هكذا ايماءة, احداهما تجرأت فقتلت الاخرى, تحقيقا لنهاية تختلف عن النهاية التي سيرسمها لهما الرجل.
في المشروع المسرحي لدى عروة,هناك ثيمات متشابهة تنسج بفنيات عالية وبالطبع دون اغفال المضمون الانساني العام, المرأة مسلوبة الارادة في عالم ذكوري احادي الرؤية..هي شجاعة تحسب للمخرج شجاعة الاقدام على الخوض في غمار الموضوعة ذاتها بحلول اخراجية جديدة.