من المعروف أن الأب والأم هما المعنيان أولاً في تربية الطفل وأول صديقين له وأول رفيقي لعب له، ما يعني أن الأطفال يحتاجون للتفاعل معهما ومع البالغين الآخرين لاكتساب بنية العالم من حولهم ولمراقبة أنماط السلوك، هذا التفاعل أساس لفعالية التعليم، وتؤكد دراسات الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع اليونسيف من أن الأطفال يولدون مع قدرة كامنة هائلة على النمو والتطور، لكن هذه القدرة الكامنة يمكن أن تتجه عشوائياً نحو ما هو سلبي أو إيجابي وبالتالي يمكن دعم هذه القدرة فتبرعم أو إهمالها فتشل وتفسد، والخيار هنا عائد أساساً للأهل أو للأشخاص الذين يقدمون الرعاية للطفل، لكن ظروف الأهل وتوقعاتهم تتبدل اليوم بسرعة على ما يبدو، فالتدريب العملي، ترافقه التقاليد الثقافية المرتبطة به، الذي كان آباء وأمهات كثر يكتسبونه من العائلة الممتدة أو من الجماعة المحيطة، التي لم تعد متوافرة للوالدين في الزمن المعاصر.
تبادل الأفكار والطرائق
وربما يسأل المرء أنه إذا كان أفضل من يهتم بالطفل هما الوالدان إذاً لم يتم استبدال الوالدين بمربين مختصين عندما يمتلك الوالدان المعرفة ويكونان المحفزين الأساسين للطفل، والجواب عند أهل الاختصاص . يشير إلى أنه قد يكون الأمر من باب تأمين معلومات إضافية وإدخال أنماط جديدة من المعرفة، وخصوصاً فيما يتعلق بالصحة والتغذية، فالتبادل من الند إلى الند مثلاً وسيلة مهمة بتبادل المعرفة في عدة مجتمعات حيث تقوم الأمهات بتبادل الأفكار والطرائق مع نساء أخريات، ومهما تكن المقاربة التي يعتمدها الوالدان في مجتمعها أو منزلهما، فمن المهم أن يظهرا الحب ويلهمان أطفالهما ويحميانهم، بموازة الاهتمام بالتغذية الكافية والعلاقة الملائمة بما فيها فرص التعلم، لخلق البيئة الملائمة للتعلم حيث يتمكن الأطفال من الاستكشاف والاختبار والوصول إلى استنتاجاتهم الخاصة فيما يتعلق بالدنيا.
ويؤكد المهتمون ببرامج دعم الطفولة أن تعلق الطفل بشخص بالغ يعتني به شرط أساس لنمو متوازن، لأن البالغ حين يستجيب للتطور لدى الطفل يؤمن قاعدة ثابتة وآمنة يستطيع الانطلاق منها لاكتشاف العالم الأوسع، على اعتبار أن الرعاية الوالدية هي المفتاح في عملية خلق بيئة ممكنة تنمي القدرات، وهذا ينطوي على قبول الطفل ومحبته وتحفيزه، ويعني ذلك عملياً ما يؤمنه البالغون ، والأشخاص الآخرون الذين يرعون الطفل ، يندرج في إطار احترام نمو الطفل وتفاعل داعم للحب والمشاعر لأن الرعاية هي مجموعة متكاملة من الأعمال التي تؤمن للأطفال الصحة والحماية والغذاء دون إغفال النمو النفسي والاجتماعي والمعرفي.
بيئة الشخص
وتوضح الدراسات أنه من الضروري وجود حد معين من التوقع في بيئة الشخص البالغ من أجل دعم الطفل بشكل ملائم، فالتغيرات في الاستجابات قد تؤدي إلى كبت الطفل وتعوق عملية التعلم التي تعتمد إلى حد كبير على دعم الوالدين، حيث يتم التشديد في برامج دعم الوالدين على الأم انطلاقاً من أهمية دور النساء كونهن عموماً على علاقة وثيقة بالأطفال، ما يؤدي إلى تحسين ظروف الطفل، وقد أظهرت الأبحاث أن تحسين الأم لامكاناتها يمكنه أن يؤدي تباعاً إلى تحفيز التنمية العقلية ودعمها، كما يؤدي إلى تمهيد الطريق لنجاح عملية التعليم فيما بعد.
إن وجود برنامج دعم نموذجي للأم، يأخذ في الحسبان المسؤولية الثنائية على صعيدي العمل المنتج والعناية بالطفل يمكنه في الوقت عينه تقديم النصح في مجال التغذية حول كيفية تحضير الحصول على أطباق للأطفال تحتوي على طاقة غذائية عالية، وتقديم النصح في مجال اللعب مع الطفل أو تحفيزه، من خلال تشجيع الأمهات على استخدام إمكاناتهن لتحفيز التجاوب العاطفي لدى الأطفال من خلال الاحتكاك المباشر وجهاً لوجه مع الرضيع أو مع الطفل، ما يتطلب عملاً كثيراً لخلق أوضاع تعلمية يمكن لكل طفل أن يتطور من خلالها تبعاً لنمطه الخاص، ومن غير الواقعي أن ننتظر من الوالدين أو حتى من الفريق الذي يرعى الأطفال أن يتمكنوا من إتمام ذلك دون الخضوع لتدريب ملائم، ما يعني أن رفاهية الطفل مرتبطة تماماً بوضع العائلة التي تضم إجمالاً أماً وأباً وأختاً وأخاً وأنسباء أو أشخاصاً يرعون الطفل.
اليوم أصبح دور الأب بارزاً وإن كان غالباً ما يعلن الآباء أنهم لا يفهمون الأطفال الصغار أو حاجاتهم لذلك كانت أكثر فأكثر فوائد إزالة شعور الأب بعدم الأمان وتغيير مواقفه التقليدية فاعتناء الأب وتحمله المسؤولية بشكل جيد وفعال في سن مبكرة من عمر الطفل يمكنه أن يزيد الدعم الذي يشعر به الطفل.
نشاطات استكشافية
إن أفضل البالغين هم أولئك الذين يرفضون أن يقولبوا أطفالهم والذين يؤمنون بحرية التعليم لديهم، ويفعل كل ما في وسعهم لتجنب التمييز فيما بينهم، وعلى الوالدين هنا أن ينتبهوا إلى حاجات الطفل المتزايدة ويساعدوا على خلق التقدم، كما أن الأحداث اليومية قد تصبح نشاطات استكشافية من خلال كونها لحظات لعب واكتشاف أمور جديدة حيث المواد التعليمية تتوافر في كل مكان، ولا توجد حاجة للألعاب المعقدة فعلى سبيل المثال قد لا يعي كلا والوالدين أن أبسط أسس التعليم يكمن في أن يستكشف الطفل ويكتشف وحده، أما دور الوالدين أو الأشخاص الذين يرعون الطفل، فهو استيعاب السير الطبيعي لعملية التعليم التي يقوم بها الطفل ودفعها قدماً لا صدها.
وأخيراً فقد أظهرت الأبحاث أن تعلق الطفل بوالديه أو بمن يعتنون به وعاطفته تجاههم يحسنان قدرته على التعلم وتحصيل معارف جديدة والتغلب على الضغط والنزاع، وبالمقابل تشير الدراسات إلى أن إساءة معاملة الطفل قد تؤدي إلى عدوانية تجاه البالغ من الطفل وعدم قدرة هذا الأخير على التركيز، إذ يمكن للرعاية السيئة والإهمال أن يكونا مؤذيين جداً لنمو الطفل.