حين كشرت عن أنيابها، وجعلت من سورية فريسة تريد تمزيقها، وأخذت تعيث في ربوعها الطاهرة فساداً، وأضمرت لها الخديعة والدمار، وقلبت معايير القيم الإنسانية فيها، وجعلتها مرتعاً للإرهاب واستلت الفرح والاطمئنان من قلوب أبناء شعبها الآمن الذي لم يعرف إلا حبه للعروبة والإنسانية.
توقيت استخدام «القاعدة» على غرار العراق، ودخولها وانخراطها بقوة في الحرب على سورية، إنما يندرج في سياق توظيف «القاعدة» لإثارة الفوضى، ومنع الاستقرار، بعدما أدرك الحلف المعادي بقيادة الولايات المتحدة استحالة إسقاط الدولة السورية، ويبدو من الواضح أن الخطة الغربية تقضي بشن حرب استنزاف ضد سورية، مشابهة لتلك التي نفذتها عصابات «الكونترا» في نيكاراغوا إثر انتصار الثورة الساندينية في الثمانينيات من القرن الماضي، بتمويل سعودي قطري، وذلك بغية منع الحل السياسي، والحيلولة دون استقرارسورية، وبقائها دولة قوية مستقلة مقاومة للهيمنة الاستعمارية، وهو مايخيف أميركا وحلفاءها الذين باتوا هذه الأيام قلقين من نتائج وتداعيات إخفاق مخططهم في سورية.
بالمقابل، فإن قضية وجود تنظيم «القاعدة» في سورية، وما يشاع عن خشية أميركية وغربية من تداعيات هذا الأمر الذي يتناقض مع سياسة الأميركيين المعلنة عن «محاربة الإرهاب» والتي جرى فرضها على مايسمى «المجتمع الدولي» والأمم المتحدة ومؤسساتها، تحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر وتصويب، ولاسيما أن هذه المقدمات تقتضي من الإدارة الأميركية اعتماد مقاربة أخرى قوامها الضغط على الدول الإقليمية والعربية لوقف تسلل الإرهابيين وتهريب السلاح إلى سورية، والإعلان بأن الحل السياسي هو الوحيد الذي يمكن السوريين من تجاوز أزمتهم المفتوح جرحها على الخارج، وتشجيع المعارضين بكل أطيافهم وتياراتهم، بما فيها المجموعات المسلحة، على الحوار السلمي البناء الذي من شأنه إقفال الأبواب أمام الإرهاب وتعبيراته السياسية التي تتصدرها «القاعدة» وأخواتها.
ولأن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولأن جوار سورية، ولاسيما الحدود مع تركيا ولبنان، مازال يستخدم كقواعد خلفية للإرهابيين، وتخزين وتهريب السلاح الذي تؤكد المعلومات أن نوعيته باتت تتجاوز الخفيف إلى المتوسط والثقيل «الكاسر للتوازن» في المعركة، ولأن الدعم المالي والإعلامي الخليجي والإقليمي مازال يهطل مدراراً على معارضي الخارج والإرهابيين المحليين ومتعددي الجنسيات، وهو مالايمكن حدوثه لولا الرضا والتشجيع الأميركيان لابل إن الأميركيين أنفسهم تعهدوا بتقديم ملايين الدولارات مايسمى «الجيش الحر» ولأن واقع المجموعات والتشكيلات والخلايا المسلحة، سواء العاملة منها أم النائمة، وفق ماتؤكد التقارير الميدانية، هو في معظمه من التيار السلفي الجهادي «المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين» الذي يحمل أجندة خاصة غير بعيدة عن «أجندة القاعدة» ويريد الوصول إلى السلطة بأي ثمن، ولأن محاولات إفشال «خطة أنان» ومن بعده الأخضر الإبراهيمي تجاوزت مسألة التشهير السياسي والإعلامي، فإن أي حديث عن انتظار مراجعة أميركية وغربية للوضع في سورية، أو ترقب مقاربة أخرى تأخذ بالحسبان واقع دخول «القاعدة» وأخواتها علىخط الأزمة في سورية، هو حديث أقل مايقال فيه إنه «ليس ذا شأن» وخاصة إذا تذكرنا تجربة «جيش تحرير كوسوفو» الذي كان متخماً بـ «الإرهابيين» وإقرار واشنطن، حينها وعلى لسان وزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت، بأن أميركا صنعته وهي تقرر تاريخ وفاته.
وعليه، وبعيداً عن السفسطة والديماغوجيا ومجاهدة الحقائق، فإن آخر ماتريده واشنطن هو عملية تؤدي إلى خروج سورية من نفق الأزمة، واستعادة دورها دولة قوية مستقلة ومناهضة للإمبريالية وهي حتى الآن، لم تقدم هي وحلفاؤها الغربيون أي دليل ملموس على مغادرة مربع اهتمامها بمواصلة نزف الدم والطاقة السوريين وهومايفسر تمكين الإرهابيين والمرتزقة الأجانب من دخول الأراضي السورية للقيام بأعمال إرهابية.