تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


منهج ستانسلافسكي الجمالية الفنية على المسرح

ملحق ثقافي
13/11/2012
عبد الناصر حسو:قد يتساءل متابعو فن التمثيل في العالم ما سر تألق الممثلين العالميين على شاشات التلفزيون والسينما وخشبات المسارح،

‏‏

فالسبب يعود إلى منهج ستانسلافسكي الذي انتشر في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أمريكا من خلال استديو الممثل الذي أسسه المخرج لي ستراسبورغ وإيليا كازان وقبلهما ميخائيل تشيخوف.‏‏

الحديث يدور حول المنهج الذي وصفه ستانسلافسكي بصفته المنظر الذي ابتدع للقرن العشرين فن التمثيل، صابغاً عليه صفة العلم وصانعاً لثورة مسرحية. إن أساليب ستانسلافسكي نقلت التمثيل من المبالغات الاستعراضية والعرض الشكلاني السطحي والانفعالي للعواطف والمواقف إلى تعبير داخلي ينبع عن الروح الإنسانية.‏‏

ورغم عظمة ستانسلافسكي وأسلوبه في فن التمثيل، لم تجد الثقافة العربية ترجمة موثقة من اللغة الروسية مباشرة رغم وجود ترجمة عن لغة وسيطة، فقد ترجم الدكتور نديم معلا محمد هذا الكتاب القيّم «حياتي في الفن» مؤخراً من الروسية في الهيئة العامة السورية للكتاب، والدكتور نديم هو أكاديمي وباحث مسرحي تخرج من معهد غيتس في موسكو ودرّس مناهج النقد وتطبيقاته في عدة معاهد مسرحية في الوطن العربي.‏‏

مارس ستانسلافسكي الفن المسرحي منذ أن كان صغيراً، وأدرك بإحساسه أن العالم يتغير وأن الظروف التاريخية والأفكار الفلسفية تعطي الفنون دوراً آخر في حياة المجتمعات، جاعلة إياها أقرب إلى الإنسان واهتماماته وروحه، وهو الذي شاهد التطورات والتغييرات مثل بناء شبكة الخطوط الحديدية المنتشرة في روسيا القيصرية آنذاك، وطالما أن الممثل هو الشخص الذي يظهر ويؤثر في المتفرج فاقتنع بصياغة أخلاق الممثل عبر العديد من المؤلفات النظرية.‏‏

يعتبر كتاب «حياتي في الفن» من الكتب الشهيرة في عالم التمثيل، وربما يضاهي كتاب «فن الشعر» لأرسطو لدى الفنانين في العالم. وقد ترجم إلى معظم لغات العالم، وصاغ ستانسلافسكي أفكاره ونظرياته في هذا الكتاب كونه كان مخرجاً وممثلاً ومنظراً مسرحياً على مدى أكثر من خمسين سنة، إذ تتلمذ على يده أهم المخرجين مثل مايرخولد وفغتانكوف وتاييروف..‏‏

لا يفصل ستانسلافسكي سيرة حياته عن تجربته وخبرته المسرحية، وقدم في الكتاب خلاصة تجربته الخلاقة، مستخلصاً من تلك التجربة العلمية المبادئ التي صارت قانوناً عاماً في الفن المسرحي وفن التمثيل في القرن العشرين، أي أصبغ صفة العلمية إلى جانب الجمالية الفنية على المسرح.‏‏

إذا كانت جهود ستانسلافسكي الفنية بدأت في وقت مبكر مع فرق الهواة، فقد انضم إليه دانشنكو وأسسا مسرح الفن في موسكو، فكانت تجربته الأكثر أهمية على خشبة المسرح نص «ثمار التنوير» لتولستوي. وكان هذا النوع من العروض كما يرويها، التمهيد الضروري لبداية اكتشافه الواقعية في المسرح، لذلك كانت أولى تجاربه بعد تأسيس مسرح الفن نصوصاً واقعية، وقد وقع تحت تأثير فرقة مايننغر الألمانية، وهكذا ولدت تلك التعاليم المنهج، ولم يتوقف عن تطوير المنهج وإعادة النظر فيه وخاصة على ضوء تطور الحركة المسرحية، وطال التطور كافة مفاهيمه في خدمة الممثل والجمهور مثل منهج مفاهيم الوعي الباطني، والحدس، الأداء الجواني، المعاناة التشكيل الحركي، وعرف فيما بعد بأسلوب التقنية السيكولوجية.‏‏

والمنهج قائم على ملاحظته لممارسة الأداء، فقد تم تطويره وتطويعه ليلائم أمزجة وشعوباً متباينة، وهو لم يكن أبداً بالنظام الجامد، يقول: «اخلق منهجك الخاص». هذا المنهج هو مجرد تطبيق لتعاليمه في أمريكا، وتتمثل عظمة المنهج في مرونته قدر ما تتمثل في التزاماته الأساسية بمبدأ الصدق الداخلي على الخشبة، قد يجد المتابع فيه علم النفس دون فرويد، والأداء الفسيولوجي دون علوم الطب العقلي.‏‏

شعر ستانسلافسكي بأن المخرج الذي يريد لمسرحه أن يؤدي رسالة ثقافية لا بد أن تتوفر له مجموعة معارف متخصصة من مصادرها الأولى بكل عناصر المسرح من وجهات نظر الممثل والمخرج والمنتج والإداري لصالح تكاملية العرض.‏‏

كان للقائه بدانشنكو تأثير عميق لا على المسرح الروسي فحسب، بل وعلى المسرح في العالم. وعن نصوص تشيخوف يقول ستانسلافسكي: «لقد كتب تشيخوف ذلك الصدق الداخلي الذي كان أساس ما عرف بالمنهج، والذي يجب الاقتراب منه من خلال أعمال تشيخوف وغوركي وميترلنك». ورغم نجاحات ستانسلافسكي، إلا أنه أحس أنه وقع في فخ الواقعية، فالتقى بميرخولد الذي كان عضواً سابقاً في فرقته. كان يعتقد أنه وجد الجديد في المسرح، في حين أن ستانسلافسكي كان متوتراً نحو الجديد دون أن يعرف كيف يحققه، فأنشأ ستوديو الممثل وترك أمر حرية تحقيق أفكاره موضع التنفيذ في اللاواقعية في المسرح. وهذا النوع الجديد يتطلب ممثلاً جديداً، فالفكرة الجيدة إذا أُسيء تقديمها تموت مع الزمن.‏‏

أساس المنهج يتشكل من القوانين العضوية للممثل التي درسها باستفاضة خلال الممارسة والنظرية، أما بالنسبة إلى الدور المسرحي الذي يؤديه الممثل، فيحاول ستانسلافسكي أن يذكّره بالصفة المعاكسة للدور، فمثلاً يقول: «عندما تؤدي دور الشرير، ابحث عن الجانب الطيب فيه، وعندما تلعب دور العجوز ابحث عن الجانب الفتي فيه». في مسرحية النورس، كان يبحث عن الفطرة والإحساس، ويقول: «أرى أن مسرحيات تشيخوف وبعض مسرحيات غاوبتمان كلها تنتمي إلى خط الفطرة والإحساس».‏‏

فتح ستانسلافسكي تجربته المسرحية أمام معظم مسرحيي عصره آنذاك، وحاول أن يتعلم من المدارس والتيارات المسرحية، فدعا أصحاب التجارب للعمل في مسرحه كما أنه عرض مسرحياته في بعض البلدان الأوروبية. لم يتوقف عن العمل، فالتوقف بالنسبة إليه موت، لذلك كان يقوم برحلات مع أعضاء الفرقة إلى المدن والبلدات والأقاليم الروسية لجمع معلومات مثل الأزياء والآلات الموسيقية والأفكار والتعرف إلى الأماكن، إلا أنه كان يعاني دائماً من قلة المال، فتحالف مع بعض الصناعيين الوطنيين لإنجاز عمل مسرحي دائم.‏‏

عمل ستانسلافسكي خلال السنوات الطويلة على جذب المتفرج إلى مسرحه، واعتاد المتفرج على حضوره، فدرس قواعده وأسس لذائقته فناً راقياً فاكتسب جمهوراً كبيراً. وما أن اندلعت ثورة أكتوبر واجتذب المسرح مختلف شرائح الشعب الروسي، تغيرت مهمة مسرح موسكو الفني. وكان يجب أن يستوعب هذه الجماهير المحتشدة أمام الصالة، ويقدم لها عروضاً مفيدة، ويتوجه إليها بأسلوب جديد، فرأى ستانسلافسكي أن الفلاح أو العامل لا يحبذ ولا يفضل مشاهدة عرض مأخوذ من حياته التي يعيش فيها لأنه ملّ هذه الحياة ولأنه يعيشها وشبع من رؤيتها، ومن الأجدى أن يجد متعته في مشاهدة حياة الآخرين، ويطمح إلى رؤية حياة أجمل، أو حتى أن يتلصص على أسرار حياة الآخرين.‏‏

كان المتفرج الجديد يتلقى العروض بلا وعي، ولم يفهم بعض المقاطع، وبالتالي لم تثر الاستجابة المألوفة ولم يضحك في الصالة. لقد كان التأثير المسرحي يطال جميع المتفرجين وليس إنساناً واحداً، وهكذا استفادت التيارات المسرحية منه كونه قابلاً للتطور والتجدد، وقد لا يجد الباحث المسرحي فارقاً كبيراً بينه وبين نظرية بريشت الملحمية.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية