التي درجت العادة على تسميتها بالعلاقات الاجتماعية، ولاسيما في ضوء النظر إلى وجود مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية حتى فنية وجمالية ذات تداخلات قد لا يتاح فصل بعضها عن بعض في أحايين كثيرة.
وتكشف البُنى المتنوعة لهذه الأنواع من العلاقات وجودَ سمات قابلة للتحديد في أي حالة من الحالات التي يتعيّن على الباحث في النقد الأدبي أن يجري لها تأطيراً خاصاً، ضمن منهجية بحثه الأكاديمي، المستمد من تيار فكري دون غيره، بغرض تحديد الوسائط المستخدمة والأدوات المعينة وأمور متعدّدة أخرى تتطلبها طبيعة البحث نفسه.
وربما تكون درجة الصعوبة في هذه التحديدات أكثر انكشافاً حينما يدرس الناقد الأدبي علاقة الناس الأفراد، وخاصة المبدعين، بالأشياء المادية والقضايا غير المعنوية، أي بعيداً عن وجود «أشخاص» آخرين ذوي كيانات مقابلة أو مساوية في التناظر البشري، بالنسبة للتفكير والتعبير والإجراء الفعلي أو الانفعالي.
ورغم هذا «الانكشاف البحثي» فإنّ غالبية أعمال النقاد في أعمال الأدباء اتجهت إلى الغوص في التعبير عن العلاقات الإنسانية «البينية» التي لم تؤسس كثيراً لنوع من «جغرفة» البيئة المتاخمة، أي وضع الأشياء المادية ضمن إطارها الجغرافي الذي يتصل بإطارها التداولي للمعطى النفسي، دون أي انقطاعات مكانية في أثناء الفترة الزمنية الواحدة لإنتاج العمل الأدبي.
ويدعم هذا ما تشير إليه المقاربة الموضوعية في ما وصلنا عبر الفترات التاريخية الغابرة للأدب العربي من قلّة الدراسات التي قدّمها المشتغلون بالنقد الأدبي حول «العلاقات المتميّزة» التي نشأت بين أشخاص مبدعين و»أشياء» لهم أو حولهم تخرج عن الإطار الإنساني، من ما يمكن عدّه بمثابة مصادر للحفز الإبداعي أو الإلهام أو اختراع العمل الأدبي.
فأدوات الكتابة، على سبيل المثال، ونوافذ الغرف وسرائر الفنادق وساحات المدن وأرصفة المقاهي وأمثالها، بقيت بعيدة نسبياً عن الاستئثار باهتمام النقاد لوضع دراسات خاصة في تأثيرها المباشر واللصيق بإبداع عمل أدبي محدّد، رغم أن كتابات المبدعين تزخر بالشواهد على ذلك، بل يكاد الباحث المدقق أن يجزم في وجود أعمال كثيرة يتفوّق فيها اتصالُ العملية الإبداعية بما هو «لا إنساني» على ما هو إنساني يتمثل في وجود حركة أفراد من الرجال والنساء والأطفال في ساحات الحركة الشعورية واللاشعورية لدى المبدع.
ولا شكّ أن هذه المسألة تشكّل «ظاهرة» لافتة في منتجات النقد الأدبي العربي، بل أكاد أقول إنها «مقلقة» لأنّ الغالبية العظمى من النقاد لم يلتفتوا إليها إلا من خلال زوايا «تكميلية» ضيقة أو صغيرة جداً، غالباً ما فرضت نفسها باعتبارها «أشياء كثيرة» في العمل الأدبي، لا بدّ من ذكرها أو النظر إلى وجودها المفروض بمقتضى حضورها الطاغي في ثنايا هذا العمل القصصي أو ذاك، كما في مجال المسرح والقصيدة حتى المقالة الأدبية.
وربما كانت متابعة ما جاء من أوصاف رثاء المتاع المفقود والأموال الضائعة والدول والمدن والسلع والحيوان، في كثير من الأشعار التي وصلتنا عبر العصور الأدبية المتلاحقة، تدعم دعوتنا إلى ضرورة توجيه الانتباه إلى ما يمكن أن تكشف عنه الدراسات النقدأدبية من «تمظهرات» للقيم الفنية في طوايا تلك الآثار في المجالات الإبداعية الأخرى، وخاصة الرواية والقصة.
وندعو لتناول هذه المسألة في إطارها التكاملي، الذي يكفل بيان أوجه التفاعل المتبادل بين قضاء الحاجات الإنسانية السلوكية على المستويين الفطري والمكتسب، والحاجة لاستخدام الأدوات والأجهزة والمعدات المختلفة لتوفير الحصول على ما يفي بتلبية الاحتياجات الفردية والفئوية داخل النسيج الاجتماعي، في حركته الاقتصادية والسياسية والأمنية الدائبة، ومن خلال صياغة ناجزة، تتمثل في وضع الفعل البشري ضمن إطار التواصل بين الأفراد والجماعات.