الذي يعتبر من أهم المشاريع الطموحة في السياسة الخارجية للرئيس ساركوزي, منعطفاً سياسياً وتاريخياً مهماً, لأنها تكسر القطيعة التي طبعت العلاقات الفرنسية - السورية خلال السنوات الماضية, ولاسيما أنها تطوي صفحة سياسة الرئيس السابق جاك شيراك الذي اصطف على أرضية الخط السياسي الأميركي في مجلس الأمن منذ صدور القرار 1559 في آب .2004
ويتساءل المحللون الفرنسيون لماذا هذا الإصرار القوي من قبل الرئيس ساركوزي على الانفتاح على سورية?
الانفتاح الفرنسي على سورية يأتي بعد سنوات من محاولات إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تهميش سورية في منطقة الشرق الأوسط, ولاسيما بعد أحداث 11 أيلول, والغزو الأميركي للعراق في سنة ,2003 وإصرار الرئيس بشار الأسد على تبني السياسة عينها التي انتهجها والده والقائمة على المبادئ التالية: رفض شرعية الوجود الإسرائيلي, التشكيك في نيات إسرائيل السلمية ما لم تنسحب من هضبة الجولان المحتلة, الاعتراف بالتفوق العسكري للجيش الإسرائيلي مع الإيمان بقدرة المقاومة على إلحاق الأذى به عبر النضال المسلح الذي تخوضه فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله, ومنذ سبع سنوات والسياسة الأميركية تجاه سورية تنتقل من إخفاق إلى آخر.
من وجهة نظر الرئيس ساركوزي يمكن لسياسة الحوار المباشر مع سورية أن تحقق نتائج عجزت الضغوطات الأميركية عن تحقيقها, ولهذا السبب, فإن زيارة الرئيس الأسد لباريس هي دعوة صريحة لإعادة ترميم العلاقات الفرنسية - السورية وإعادة بنائها من جديد, أولاً, وهي رسالة إلى واشنطن أيضاً مفادها أن باريس ترى أن المصالح الأميركية - الفرنسية, متشابكة وإن تكن متنافسة في بعض الميادين, إذ تريد فرنسا في لبنان تحديداً, دوراً يعزز موقعها ودورها فيه كشريك مع الدور الأميركي من دون التصادم معه ثانياً.
سياسة الانفتاح هذه لاتطمس التباين في وجهات النظر الفرنسية - السورية مثل الملف الفلسطيني, والملف النووي الإيراني.-------
ومن المعلوم أن هناك لازمتين في السياسة الفرنسية بقيتا تترددان في الخطاب الدبلوماسي الفرنسي, منذ تدهور العلاقات مع سورية, الأولى هي: » الإشارات الإيجابية « والثانية هي: »الحكم على الأفعال «. ومن الأجوبة أو التبريرات التي قفزت إلى ألسنة المسؤولين الفرنسيين في رؤيتهم للتطورات الإيجابية في السياسة السورية:
أولاً: في العراق تأكد المسؤولون الأميركيون والأوروبيون والعالم من تعاون سورية في مكافحة الإرهاب, وأن المشكلة الأساسية في العراق هي مع الشعب العراقي الذي بات يرفض الاحتلال.
ثانياً: التطور الإيجابي الثاني ويتمثل في بداية المفاوضات الرسمية ولكن غير المباشرة بين »إسرائيل « وسورية برعاية تركيا, وإعلان سورية عزمها على الاستمرار فيها وتحويلها إلى مفاوضات رسمية مباشرة. علماً أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تضغط على »إسرائيل« طوال السنوات الماضية لعدم التجاوب مع دعوات سورية للتفاوض, مخافة أن تستغلها دمشق لترسيخ سياستها ووجودها في المنطقة.
ثالثاً: حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان.
واليوم تستضيف باريس القمة الأوروبية - المتوسطية التي ستشهد إطلاق مشروع » الاتحاد من أجل المتوسط «, الذي يبحث في إقامة منطقة تجارة حرة أوروبية - متوسطية, وفي الخطوات التي تهدف إلى تعزيز الدمج الاقتصادي قبل سنة .2010 وتعتبر باريس أن حضور الرئيس بشار الأسد في قمة الاتحاد من أجل المتوسط مسألة في غاية الأهمية, إذ أدلى مصدر في قصر الإليزيه قبل عدة أيام ببيان جاء فيه: كنا سندعو الرئىس الأسد إلى القمة حتى من دون المساهمة السورية في انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان لأن الجغرافيا التي لايمكن تجاوزها تضع سورية في قلب المتوسط, كما أن الرئيس ساركوزي يبدأ علاقاته مع دمشق من نقطة الصفر, ولم يرث أوزار ولا خلافات سلفه شيراك مع دمشق, ما يسهل عملية التطبيع السياسي, ويحررها من أثقال الماضي.
لقد أراد الرئىس ساركوزي أن يكون الاتحاد من أجل المتوسط بديلاً من الشراكة المتوسطية التي تأسست في برشلونة في 28 أيلول ,1995 إذ تحول الاتحاد إلى محطة لإنهاض الشراكة وتحريك مفاصلها التي أصابها التكلس والجمود, وقال آلان لوروا, الدبلوماسي الفرنسي الذي كلف متابعة تنفيذ مشروع » الاتحاد من أجل المتوسط « إن الأهداف التي نشأ الاتحاد من أجلها لاتزال قائمة, ثم استطرد قائلاً: » إن الاتحاد قادر على الاضطلاع بدور مهم في التعجيل بالسلام في الشرق الأوسط «.
أما في الجانب السوري, فإن الرئيس بشار الأسد يرفض الجلوس والحديث مع الإسرائيليين في قمة الاتحاد, في ظل عدم حل القضية الفلسطينية عبر إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس, وعدم نضج المفاوضات السورية - الإسرائيلية.
فلا تزال سورية ترفض أن يتحول مشروع »الاتحاد من أجل المتوسط« إلى مدخل للتطبيع المجاني بين الدول العربية وإسرائيل, وهي ترى أن هذا المشروع يتطلب تحقيق التوازن في المصالح بين ضفتي المتوسط, إضافة إلى تحقيق السلام العادل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومرجعية مدريد, ومبدأ الأرض مقابل السلام.
وينظر الرئيس بشار الأسد إلى العلاقات بين فرنسا وسورية من منظور مختلف, إذ إنه يريد الانتقال بهذه العلاقات من مرحلة التوتر إلى مرحلة التفاهم والتطبيع الكامل والتعاون وتبادل المصالح, ولاسيما بعد أن أسهم جدياً وفعلياً في حل الأزمة اللبنانية,و تشكيل الحكومة , وهي الخطوة التي تسهل الانفتاح الفرنسي على سورية, وتضع حداً للتحفظات السورية عن الحكم في لبنان, واستعداده لإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع لبنان, لكي يخرج بذلك المسألة اللبنانية من إطار العلاقات الفرنسية - السورية, وبالتالي يتجاوز تاريخياً صدمة تشكل الدولتين السورية واللبنانية في عهد الانتداب الفرنسي.
ويعتقد الرئيس بشار الأسد أن لفرنسا دوراً مهماً يمكن أن تلعبه في المحادثات السورية - الإسرائيلية, ولاسيما بحكم علاقات الصداقة القوية التي تربط الرئيس ساركوزي بكل من أميركا وإسرائيل. والرئيس الأسد على قناعة تامة أنه لايمكن أن يحقق السلام مع إسرائيل من دون تدخل الولايات المتحدة الأميركية.
كاتب تونسي