وقبل رحلتي هذه بأيام, شاركت بمؤتمر الاستثمار الفلسطيني في بيت لحم الذي حضره ألفا شخص من الضفة الغربية وقطاع غزة واسرائيل وباقي دول العالم وقد عج فندق بيت لحم الدولي ومركز الميثاق الفلسطيني الذي افتتح مؤخرا في بيت لحم بعدد كبير من المشاركين الذين حضروا من أجل تقديم دعمهم لعملية السلام والاستقرار والحياة الطبيعية.
وقد بذلت السلطة الفلسطينية جهودا حثيثة لضمان الامن والنظام لجميع الوفود المحلية والاجنبية المشاركة بما فيهم خمسون من رجال الاعمال الاسرائيليين وقادة المجتمع. والمؤتمر الذي اقامه رئيس الوزراء سلام فياض وتوني بلير كان له معنى رمزي لدعم الثقة بعملية السلام والتشجيع على بناء دولة فلسطينية تعيش بسلام الى جانب اسرائيل. إن الخط الاخضر وجدار الفصل في القسم الشمالي من الضفة الغربية هما شيء واحد في نفس المكان, لكن الجدار الفاصل هو جرح واضح في الجمال الريفي للمنطقة, ومنطق اقامته بأنه يوفر الامن للاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
وفي هذه المنطقة عبَّر الاسرائيليون والفلسطينيون عن أملهم بأن يعم السلام في المستقبل, حيث تتضاءل الخلافات على الحدود في الوقت الراهن, الامر الذي أتاح قيام عملية مثمرة مفيدة للجانبين.
ولعل ما يفسر هذا الانسياب أن الجزء الشمالي من الضفة الغربية يخلو من المستوطنات الاسرائيلية, ما جعل بناء جدار الفصل في الخط الاخضر ممكنا. وقد اوضح الفلسطينيون في محادثاتهم مع الاسرائيليين ان الخط الاخضر يقدم نقاط استناد يمكن الركون إليها لتحديد الحدود مستقبلا, ذلك أن خط الهدنة لعام 1949 اعطى اسرائيل 78% من المنطقة بين نهر الاردن والمتوسط. إثر قبولهم باتفاق اوسلو, اعلن الفلسطينيون باستمرار قبولهم بحصول اسرائيل على 78% من الارض وطالبوا بإقامة دولتهم في ال 22% المتبقية.
لقد قبل ياسر عرفات مبدأ مقايضة الارض, الامر الذي يسمح لاسرائيل بضم اجزاء من الضفة الغربية, حيث أقيمت مستوطنات اسرائيلية كبيرة مقابل اراض في غرب الخط الاخضر بنفس المساحة والنوعية, ومن جانبه التزم الرئيس محمود عباس بهذا المبدأ في المفاوضات الحالية.
لكن الفلسطينيين الذين قدموا تنازلات كبيرة عن 78% من الاراضي لن يقبلوا اليوم بالتنازل عن أي شبر من 22% المتبقية وهذا هو الخط الأحمر للفلسطينيين في المفاوضات, ولن يكون هناك اتفاق الا عندما تقام دولة فلسطين على 22% من تلك الاراضي.
والحقيقة ان المستوطنات في باقي الضفة الغربية أوجدت حقائق يتعذر الدفاع عنها لكلا الشعبين .
وبعد زيارةقلعة بلعين المجاورة لمستوطنة كريات سيفر,قررنا العودة الى القدس عبر الطرق الفلسطينية, والطريق السريع 443 يبعد 20 دقيقة عن القدس, لكن بعد وصولنا الى المدخل المغلق لهذا الطريق اضطررنا إلى إكمال السير على الطرق المخصصة للفلسطينيين والتي تضاعف المسافة عدة مرات, وهي طرق طالما تبجحت بها الحكومة الاسرائيلية أمام الادارة الاميركية.
والواقع أن الريف الفلسطيني بات مثيرا في ظل الادارة الاسرائيلية. فالطرقات ضيقة وخطرة وكلها التواءات ومنعطفات ولا توجد امكانية لبناء اقتصاد حديث وتحقيق وعود مؤتمر بيت لحم الاقتصادي دون وجود بنية تحتية متطورة. لقد اخذ الطريق الى القدس مدة 90 دقيقة ولو ذهبنا الى رام الله وبيت لحم سنحتاج إلى مزيد من الوقت. إن اغلاق طرق الضفة الغربية الاساسية امام الفلسطينيين بينما تسود شبكة النقل العنصرية, ما هو الا نتيجة لوجود المستوطنات الاسرائيلية المتاخمة لقراهم وبلداتهم ومدنهم, حيث يمكِّن نظام الطرق المنفصلة المستوطنين من التمتع بحياتهم في الضفة الغربية بعيدا عن الفلسطينيين.
سكان قرية بلعين ومئات من التجمعات الفلسطينية غاضبون من هذا الوضع فهم يريدون علاقات جوار جيدة مع الاسرائيليين ولكن ليس على حساب اراضيهم, وقد حكمت المحكمة العليا في اسرائيل بنقل جدار الفصل الذي اقتطع الكثير من اراضي سكان بلعين الزراعية غير أن وزارة الدفاع الاسرائيلية ادعت عدم وجود الاموال الكافية لتنفيذ امر المحكمة. في اثناء ذلك احتل نشطاء من المستوطنين منازل الفلسطينيين في اراضي بعلين الامر الذي حول قرار المحكمة الى سخرية تامة. وكل اسبوع تتحول المنطقة الى ساحة حرب بينما الامر مختلف تماما في منطقة جنين, حيث يمكن أن يتحول الجدار الفاصل قريبا إلى منطقة تطور اقتصادي مشترك للسلم والامن والازدهار. وهذه اللقطات الصغيرة المفاجئة يجب ان تسلط الضوء على الصورة الكبيرة. والعبر المستخلصة هنا يجب أن تكون واضحة. اتمنى ان ينضم الاف الفلسطينيين والاسرائيليين إليَّ كي نبحث عن التفاهم والسلام على امتداد الخط الاخضر وستكون أمام الطرفين فرصة لاختبار الامكانيات الحقيقية لإنشاء علاقات جوار تعود بالنفع على كلا الطرفين.