لرغبة جامحة منها في أن تكون الدولة الوحيدة في هذه المنطقة التي تمتلكها وهي في تصرفها هذا تجيز لنفسها ماتنكره على الآخرين, سالكة في ذلك أسلوب ازدواجية المعايير التي قد تفضي إلى كارثة في المنطقة برمتها,وخاصة في ضوء ما سبق أن قمنا به في كل من العراق وسورية دون أن نحقق النتائج المرجوة.
يبدو أننا نوشك على القيام بمحاولة ثالثة تكون إيران هدفها, لعلنا نفلح في هذه المرة فيما نصبو إليه, لكنه حتى لو تسنى لنا النجاح في هذه المرة فإننا سنقع في معضلة أخرى ألا وهي عدم إمكانية استمرار اللجوء إلى القصف في كل مرة نعلم بها أن دولة في الشرق الأوسط تعمل على تطوير برنامجها النووي, وبذلك فإن خططنا المستقبلية لن تفضي إلى تحقيق مانسعى إليه من قبول لوجود إسرائيل على المدى الطويل وسنقع في إشكال يدعونا للتساؤل عما سيحل بنا في المستقبل.
علينا أن نفكر بما قد نتعرض له من أخطار في حال الهجوم على إيران, لأن أصحاب القرار لايفكرون إلا في إشعال الحرب دون التفكير بنتائجها, الأمر الذي يدعونا للخشية والحذر مما يدور في خلدهم, ويلزمنا النظر بجدية إلى ماقاله الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية هانز بلكيس الذي حذر في مقابلة له من قيام إسرائيل باتخاذ أي فعل ضد إيران لأنه سيشعل النار في المنطقة بأسرها وأنه ليس ثمة داع للخوف في الوقت الحاضر لأن النشاطات النووية السورية مازالت في بداياتها, وثبوت عدم نجاعة الهجوم الذي شن على المفاعل الذري العراقي, وامكانية ثني إيران عن تطوير أسلحتها النووية دون التلويح باستخدام القوة, وإنما بتقديم الضمانات المناسبة لها على غرار ماتم فعله مع كوريا الشمالية, لكن مايبدو وهو أن المجموعة الدولية لم تحاول الإقدام على هذا الإجراء بل استمرت بإطلاق تهديداتها وفرض العقوبات عليها, فضلاً عما تزمع إسرائيل القيام به من مغامرة ثالثة خطرة.
القول: إن المفاوضات حول تطوير الطاقة النووية الإيرانية قد وصل إلى طريق مسدود يفتقر إلى الدقة والموضوعية, إذ من المحتمل أن يقوم باراك أوباما (في حال فوزه بالانتخابات) بإجراء محادثات مع إيران, وإقناعها بعدم تطوير برامجها للتسليح النووي, دون اللجوء إلى حرب معها.
لاريب أن إسرائيل تتصرف دون أن تحسب لعواقب الأمور, وما قد يحدث في المستقبل, إذ لو فرضنا أننا قمنا بقصف إيران, وحققنا نجاحاً في ذلك دون أن ندفع ثمناً باهظاً, فماذا سنفعل عندما تحاول مصر الحصول على السلاح النووي? وماذا سنفعل أيضاً إن حاولت كل من سورية والمملكة العربية السعودية والأردن والعراق امتلاك هذا السلاح? أو إن حزب الله استطاع امتلاكه? وهل سنسمح لتركيا بتطوير برنامجها النووي? وهل سنستمر بالقصف إلى الأبد لكل دولة في المنطقة تحاول امتلاك سلاح نووي?.
لايمكن لإسرائيل أن تستمر بالعيش إلى الأبد في محيط يرفض وجودها, وماعليها سوى انتهاز الفرصة التي قدمت لها في مبادرة السلام العربية التي لم تعرها اهتماماً, وبدلاً من أن تسعى لتحقيق السلام نجدها تسارع الخطا لزيادة مدى قذائفها والإعداد لحروب جديدة دون أن تبحث عن حل لمعضلاتها على أسس سليمة من الدبلوماسية.
لو جمح بنا الخيال وتصورنا أن السلام قد تحقق مع الفلسطينيين والسوريين ومعظم العالم العربي, فهل سيعمد أحمدي نجاد إلى تهديد إسرائيل? وبأي ذريعة سيطلق تهديداته? ولو تصورنا أيضاً أن إسرائيل أعلنت أنها لن تهاجم إيران حتى تستنفد كافة الوسائل السلمية الممكنة, وعملت على دعوة الغرب إلى إجراء حوارمع إيران, وتقديم ضمانات أمنية لها, فهل يعتبر هذا الأمر بعيداً عن الواقع? لماذا لانساهم في الحد من الأخطار المحدقة وخاصة أن إيران بلد يتسم بالعقلانية? لكن يبدو أننا نرفض دفع ثمن السلام ونفضل اللجوء إلى الحرب التي قد تقودنا إلى دفع ثمن باهظ لاقبل لنا به.
قد يبالغ البعض فيما ينجم من جراء الهجوم على إيران, وربما نحقق نجاحاً في هذا الأمر, لكن يبقى السؤال الذي يقضّ مضاجعنا ماذا سيحصل إن لم ننجح, وماذا سنعمل إزاء الدول الأخرى التي تسعى للحصول على الطاقة النووية?