وعلاقة ذلك بقبول اسرائيل بالتهدئة في غزة ,وما يجري على مسار المفاوضات السورية- الاسرائيلية غير المباشرة بوساطة تركية.
فان ذلك كله يجري بحسب المحللين الإسرائيليين في سياق إعادة ترتيب الاولويات الاسرائيلية استعدادا للمرحلة التي تلي عهد اولمرت بعد ان اتفق الحزبان الكبيران كاديما والعمل على عدم التصويت على حل الكنيست وإفساح المجال أمام كاديما لإجراء انتخابات تمهيدية لاختيار بديل لاولمرت بعد ان أصبح رحيله عن الحلبة السياسية مؤكدا
ترتيب الأولويات
فإغلاق ملف الأسرى وبالطريقة المؤلمة بل و المهينة إسرائيليا كما يتضح من تعليقات الصحف الاسرائيلية وحتى من قبل بعض المسئولين الإسرائيليين أنفسهم يندرج في إطار إغلاق ملف هزيمة حرب تموز بعد ان تم تحميل اولمرت وحكومته مسؤولية تبعات الجزء الأكبر من إخفاقات هذه الحرب وتداعياتها.
ومما لا شك فيه ان الحرب العدوانية على لبنان في تموز عام 2006 ومن قبلها الانسحاب الأحادي من غزة ومن ثم سيطرة حماس على الوضع في القطاع وعدم قدرة إسرائيل على تغيير ذلك الوضع بالحسم العسكري, وتعثر البرنامج الأمريكي - الإسرائيلي في المنطقة بشكل عام وفي العراق وفلسطين ولبنان خاصة , ودخول إيران كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في المنطقة قد اثر بشكل مباشر على ترتيب الاولويات الاسرائيلية وحتى على العقيدة القتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وعلى البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان الإسرائيلي على ضوء نشوء ما يطلق عليه الخبراء العسكريون بالحرب اللامتماثلة أو الحروب ذات المستوى المنخفض .
وبحسب غيورا ايلاند رئيس مجلس الأمن القومي السابق فان الظروف التي تشكلت على اثر هذه التطورات قد وضعت أمام إسرائيل مخاطر وتحديات قد تؤثر سلبيا على إسرائيل في المرحلة المقبلة وتجعلها تعيد صياغة اولوياتها بناء على مثل هذه التحديات, فهذه الاولويات كما يتفق حولها معظم المحللين الإسرائيليين المهتمين بالشأن الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي تتمثل في تحديات ومخاطر عدة تختلف بحسب أهميتها وخطورتها على ما سمي بالأمن الوجودي وهي : سورية وتعاظم قدراتها العسكرية ودورها الإقليمي الحاسم , والضفة الغربية وقطاع غزة واحتمالات تصاعد وتائر المقاومة فيها ,لبنان ممثلا بحزب الله ودوره في الصراع والتصدي للأطماع الاسرائيلية في لبنان, وأخير إيران وما يمثله الملف النووي الإيراني وبالتالي امتلاك إيران قدرات وخبرات تقنية في هذا المجال وهو ما يعتبرة الإسرائيليون اكبر التحديات والمخاطر الوجودية المحدقة بالكيان ووجوده في هذه المرحلة بالذات, وقد حاول صناع القرار في الكيان الإسرائيلي التعامل مع هذه الاولويات بكل حدة بعد ان تكفلت الولايات المتحدة والغرب عامة بالتعامل مع الملف النووي الإيراني عبر وسائل الضغط السياسي والاقتصادي من جهة ومحاولة حرف الصراع الجوهري-العربي الإسرائيلي عن وجهته وإيجاد عدو قومي وهمي للعرب كمقدمة لصراع عربي فارسي من الجهة الأخرى .في حين جاء الانسحاب الأحادي من غزة وفي إطار رؤية شارون الاستراتيجية الممثلة بالتخلي عن غزة في مقابل الاستمرار في فرض وقائع مادية من بناء وتوسيع المستوطنات ومصادرة مزيدا من الأرض في الضفة الغربية والإبقاء على باب المفاوضات مع السلطة الفلسطينية مفتوحا على قاعدة ما يتم فرضه من حقائق بعد ان تم إسقاط القضايا الأساسية في أية تسوية مستقبلية مثل القدس وللاجئين والحدود والسيادة والمياه , لكن الرياح سارت في غزة بما لا تشتهي السفن الاسرائيلية عندما تحولت غزة مجددا الى ساحة صراع عسكرية حقيقية بالرغم من فرض حصار مطبق عليها والسعي الحثيث لإفشال أية محاولة لوحدة فلسطينية حقيقية.
وصول التسوية على المسار الفلسطيني الى طريق مسدود, والمأزق العميق الذي وصلت إليه السياسات الاستراتيجية الأمريكية في كل من العراق ولبنان وفلسطين وكذلك فشل السياسات الأمريكية في التأثير على سورية وفشل جميع محاولات تلك السياسات في عزل سورية وتحجيم دورها الإقليمي ودوره الممانع في مواجهة ذلك كله.ووصول العلاقات التحالفية الاسرائيلية- الأمريكية الى درجة التماثل حيال جميع القضايا المتصلة بالصراع العربي-الإسرائيلي حربا اوتسوية, حولت السياسات الاسرائيلية الى جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وبات القرار الإسرائيلي رهنا بهذه الاستراتيجية , ومن هنا جاء التفكير الأمريكي الإسرائيلي المشترك في التعاطي مع أحدى الاولويات الاسرائيلية ذات الأهمية الخطيرة بالنسبة للوجود الإسرائيلي والسياسات الأمريكية على السواء في للمنطقة ولبنان بالذات بحكم ارتباط هذه الأولوية(المقاومة الإسلامية في لبنان) بالاولويات الأخرى في فلسطين والعراق وكذلك سورية وإيران, حيث جاءت الحرب العدوانية على لبنان في تموز عام 2006لتستهدف أهم الحلقات في سلسلة المقاومة والممانعة للسياسات الأمريكية- الاسرائيلية وباعتبارها في حينه أولوية إسرائيلية تؤثر حكما في سلم اولويات إسرائيل على المستوى الاستراتيجي والمخطط الأمريكي في بناء شرق أوسط جديد يتلاءم والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ولهذا بشرت كونداليزا رايس العالم بإمكانية تحقيق هذا الشرق الأوسط الجديد على ضوء نتائج الحرب المذكورة في الأيام الأولى من قيام إسرائيل بشنها على لبنان .
النتائج المعروفة المتمثلة بسلسلة الإخفاقات العسكرية والسياسية والأمنية على المستوى الاستراتيجي لتلك الحرب بالنسبة لإسرائيل وسياسات الإدارة الأمريكية زادت الى حد كبير جدا من مأزق إسرائيل الاستراتيجي بحسب يهودا بن مئير اشهر الباحثين في مركز البحوث الأمنية من جهة , وعمقت من مأزق سياسات الإدارة الأمريكية والورطة العسكرية الاستراتيجية لجيش الاحتلال الأمريكي في العراق من جهة اخرى , الى جانب أنها تركت تأثيراتها المباشرة على سلم الأوليات القومية الاسرائيلية وترتيبها حسب مستوى مخاطرها الوجودية.فعلى المستوى السياسي فقد فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهداف تلك الحرب بالرغم من محاولات الإدارة الأمريكية في تعويضها عما خسرته سياسيا باستصدار قرار من مجلس الأمن ينص على زيادة عديد قوات الأمم المتحدة ونشرها في الجنوب.وبات التأثير الاسرائيلي في المعادلة اللبنانية معدوما وارتبط بالدور الأمريكي الذي انحصر بدوره في تعطيل أي اتفاق وطني لبناني شامل يحفظ للبنان دوره في المحيط العربي وللمقاومة اللبنانية وسلاحها ودورها في تعزيز السلم والوفاق الأهلي اللبناني.
وعلى المستوى العسكري تحولت الإخفاقات ألعسكرية الى هاجس بل كابوس للقوات الاسرائيلية في تعاطيها للوضع الجديد في غزة , ففي الوقت الذي تطور فيه اداء منظمات المقاومة الفلسطينية على صعيد صد الاجتياحات المتكررة لمدن القطاع وبلداته وأصبحت الصواريخ الفلسطينية عاملا مهما في فرض قواعد لعبة جديدة يمنع اسرائيل ويجعلها تفكر كثيرا في الإقدام على مغامرة عسكرية واسعة في قطاع غزة ولذلك كانت الهدنة تشكل مخرجا بالنسبة لإسرائيل من هذه القضية المحرجة , فالهدنة وان كانت موافقة اسرائيل عليها مشروطة وان اعتبرتها هشة ومؤقتة , فهي تساعدها أنيا على ترتيب اولوياتها , على صعيد التقاط الأنفاس في غزة من جهة ,والاستمرار في سياسات التهويد والاستيطان ومصادرة الأرض في الضفة الغربية ,واسمرار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية, عبر منع أية محاولة لإعادة اللحمة الفلسطينية الداخلية والإبقاء على الحالة الانقسامية جغرافيا وسياسيا بين الضفة وغزة,من جهة اخرى.
ووسط ذلك كله , يبرز ما اصطلح عليه إسرائيليا , بالتهديد النووي الايراني ليحتل صدارة الأوليات القومية الإسرائيلية, وليصبح حديث الساعة في جميع المحافل السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية, ويأتي الحديث الاسرائيلي حول تصفية الحسابات لينصب على التعاطي مع ما يسمى بالتهديد الاسرائيلي كأولوية ترتقي عن ما دونها من الأولويات ,الى جانب الحديث عن محاولات فكفكة عرى التحالف الايراني السوري حزب الله- حماس-الجهاد . اذ يرى بعض المحللين الإسرائيليين ,بان المحادثات السورية- الإسرائيلية الجارية الان عبر وساطة تركية تأتي في هذا السياق وفي سياق الاستعدادات الإسرائيلية لتصفية الحسابات مع محيطها ومع ايران بالتحديد.هذا التركيز على التهديد الايراني تزامن مع المناورات الجوية الإسرائيلية قبالة السواحل اليونانية ,وواكبه سيل جارف من تحليلات الصحف الإسرائيلية التي تنطوي على تهديدات صريحة,» أن إسرائيل باتت منهمكة, أكثر من ذي قبل, بتوجيه رسائل صارمة إلى إيران, مؤداها أنها لن تمرّ مرّ الكرام على مضيها في تطوير «برنامجها النووي
على حد تعبير معاريف ,اما نائب رئيس «معهد دراسات الأمن القومي» فقد ذهب الى ابعد من ذلك بقوله: أن إسرائيل ستبلغ مفترق القرار المتعلق بشن هجوم عسكري على إيران بعد أن تتحقق بضعة شروط, هي فشل الطريق الدبلوماسية, واتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بعدم القيام بالعملية العسكرية بنفسها, واستكمال عملية بناء القدرات العسكرية الإسرائيلية لضمان نجاح العملية.