لقد كان هذا الأمر موضع حوارات ومناقشات تولتها وسائل الإعلام منذ بضعة أيام، ورغم الغموض الذي يلف تلك المقولة، إلا أنه يبدو أن ترامب قد أخذ يخطط للإعلان عن (صفقة القرن) ولتنفيذ هذا التوجه دعا كلاً من بنيامين نتنياهو ومنافسه بيني غانتز إلى البيت الأبيض لإجراء لقاء معهما، في حين لم يدع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي سيكون الطرف الآخر في حال طرح (الصفقة).
ثمة اعتقاد أكثر أهمية أفصحت عنه بعض التقارير يشير إلى أن (اتفاقاً) قد يعقد تُمنح به إسرائيل الضوء الأخضر لضم وادي الأردن والمستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، وهو ذات الأمر الذي سبق وأن وعد نتنياهو الإسرائيليين بتحقيقه إبان مسرحية الانتخابات المضطربة التي تزامنت مع توجيه الاتهامات إليه بشأن عمليات الاحتيال والرشوة التي لم يحاكم عليها بعد، ورغم الادعاءات التي تقول بانتهاء دوره لكنه لا يزال يبذل محاولات شتى بغية الاستمرار في منصبه، كما أن مناورة ترامب الأخيرة قد تكون أعظم هدية يقدمها له وذلك من خلال منحه كل مطالبه بشكل مباشر قبيل انعقاد الانتخابات.
نتساءل في هذا السياق، ما هي انعكاسات هذا الإجراء على ترامب؟ ويبدو أن هذا التوجه يمثل أمراً جيداً بالنسبة له إذ سيدفع به نحو الصعود السياسي، ولا سيما أنه لم يُصب بأي ضرر جراء تصرفاته الأخرى في دعم الحزب اليميني الإسرائيلي خلال ولايته منذ ثلاث سنوات ونصف، وكان من أبرز تلك التصرفات نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى (إسرائيل) ووقف تقديم المساعدات إلى اللاجئين الفلسطينيين وإضفاء الشرعية على المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.
وفي الأحوال التي يتمكن بها ترامب من تعزيز قاعدته لدى الجمهوريين المتشددين خلال فترة مناقشة عملية عزله، فإن كل الأمور ستسير على ما يرام، وخاصة أنه من غير المرجح أن يعمد كبار الديمقراطيين إلى إثارة بلبلة بهذا الشأن ذلك لأن الكثير منهم يدعم (إسرائيل) بشدة أيضاً.
لقد كان ترامب مبتذلاً في تعليقه بما يخص الخطة التي تطرق للحديث عنها يوم الخميس الماضي إذ قال للصحفيين قبل صعوده على متن طائرة القوى الجوية للتوجه لحضور اجتماع يعقده الحزب الجمهوري في فلوريدا: (لا ريب أنها خطة عظيمة وستحقق النجاح لا محالة). ولا شك أن تلك الخطة ستتناسب مع رغبات نتنياهو و(الإسرائيليين) في اليمين المتطرف الذين دأبوا على مناشدة واستجداء أي رئيس أميركي للتصرف بما يحقق مصالحهم على مدى العقود التي خلت، وهم على اعتقاد وقناعة أن الفلسطينيين في ظل قيادة عباس سيرفضون الخطة التي تقدم بها ترامب وسيلجؤون إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن لأسباب واضحة.
إلا أننا نرى أنه لا يوجد ما يدعى (سلام) في هذه الخطة، فالمكتوب كان واضحاً من عنوانه، فالصفقة بكاملها، بما فيها الخطة الاقتصادية الهائلة التي جرى تقديمها للفلسطينيين، غير مجدية والعالم على علم تام بتلك الحقيقة، ولذلك واجه صهر ترامب ومستشاره البارز جاريد كوشنير انتقادات واسعة عندما أعلن عن جزء من هذا الاقتراح في العام الفائت.
يرى محللون سياسيون، وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن هذا المسار محفوف بالمخاطر، سواء أثنى عليه سكان واشنطن أم لم يثنوا، وقد قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إنه (قبل الشروع بالاحتفالات، يجب على المسؤولين أخذ المخاطر المحتملة بعين الاعتبار، ولا سيما أنه على مدى ثلاث سنوات لم تنفك الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن إطلاق تحذيراتها للحكومة خشية اندلاع الاحتجاجات في الضفة الغربية التي تعيش في حالة شبه هدوء تام منذ الانتفاضة الأخيرة التي لم تدم طويلاً في صيف عام 2016).
لا شك أن (اتفاق السلام) المزعوم لم يُفسر إلا بكونه مؤامرة إسرائيلية -أميركية قد تدفع بالسلطة الفلسطينية لاتخاذ إجراءات على غرار إثارة موجة من الاحتجاجات وربما يقود الإخفاق إلى تشجيع شريحة واسعة من الفلسطينيين للقيام بأعمال ضد الممارسات الاسرائيلية الأمر الذي من شأنه أن يغير الوقائع كافة.
من الثابت والمؤكد أن ثمة انحرافاً في الرؤية للسلام لدى البيت الأبيض الذي لم يأخذ عبرة من تجارب السياسة الخارجية السابقة ولم يقدم أفكاراً أو خططاً نيرة، إذ أنه منذ البداية تمكن أعضاء من فريق ترامب ممن لديهم اهتمامات إيديولوجية محددة من قيادته. علماً أنه وكل من يدور في فلكه كانوا واضحين خلال حملة الانتخابات عام 2016، لكن إسناد مناصب مهمة إلى بومبيو وبولتون وكوشنير وتعيين ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة أدى إلى دعم (إسرائيل) الأمر الذي جعل قاعدته تثني دوماً على كل ما يصدر عنه من تصرفات، ولا نعلم ما الذي سينجم عن هذا الشطط الفكري الذي نهجه ترامب.